وعن الإشكال الثاني قيل: الإتيان بالمنافي والتكلم بطريق السهو لا يمنع جواز البناء وعدم الاستئناف، وهذا الجواب لا يتم في التكلم من ذي اليدين وبعض الصحابة الذين تكلموا؛ لأن تكلمهم لم يكن بسهو، إلا أن يقال: إنهم كانوا تابعين له -صلى اللَّه عليه وسلم- فلم يكن لهم حكم مستقل، وفيه ما فيه.
ثم لا يخفى أن الجواب المذكور لا يجري على مذهب الحنفية أن التكلم بالسهو والنسيان مبطل للصلاة ولا يكون عذرًا، وهم يقولون: إن قصة ذي اليدين وقعت على خلاف القياس فيقتصر على موردها.
وقال بعضهم: إن هذه القضية وقعت قبل نسخ جواز الكلام في الصلاة، وهذا الجواب لا يصح، لا لما قيل: إن إسلام أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- متأخر عنه، وهو راوي حديث ذي اليدين، فلا يكون قبل النسخ بل بعده؛ لأن تأخر إسلام الراوي لا يقتضي تأخر حديثه، ولا ينافي رواية القضية السابقة بالسماع من صحابي مقدَّمِ الإسلام كما تقرر في أصول الحديث، بل لأن أبا هريرة -رضي اللَّه عنه- قال في حديثه:(صلى بنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)، وهذا يدل على أن أبا هريرة كان حاضرًا في هذه القضية، فيكون وقوع هذه القضية بعد إسلام أبي هريرة المتأخر من نسخ الكلام في الصلاة، لأن إسلامه كان في غزوة خيبر سنة سبع، وتحريم الكلام في سنة رجوع الصحابة من عند النجاشي، وهو متقدم، والطحاوي حمل قوله:(صلى بنا) على المجاز، أي: صلى بالمسلمين، وهو خلاف الظاهر مع أن مسلمًا وأحمد وغيرهما رووا أنه قال: بينما أنا أصلي مع رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهذا يدفع هذا التأويل قطعًا، كذا في (فتح الباري)(١).