قلنا: المراد بتخلق العبد بالأخلاق الإلهية: حصول شيء شبيه بها بوجه من الوجوه على ما يناسب حال العبد ويُتصور في حقه كما ستعرفه في أثناء شرح الأسماء، ولا ينبغي أن يظن أن المشاركة في كل وصف توجب المماثلة؛ فإن الضدين بينهما غاية البعد الذي لا يتصور أن يكون بعدٌ فوقه، وهما يتشاركان في أوصاف كثيرة إذ السواد يشارك البياض في كونه عرضًا، وفي كونه لونًا، وفي كونه مدرَكًا بالبصر، وأمورٌ أُخر، بل المماثلة عبارة عن المشاركة في النوع والماهية، والفرس يشابه الإنسان في الكياسة، ولا يكون مِثْلًا للإنسان -وإن كان بالغًا في الكياسة- لأنه مخالف له بالنوع، فكون العبد رحيمًا صبورًا شكورًا لا يوجب المماثلة ككونه سميعًا وبصيرًا وعالمًا وحيًّا، وليست صفات العبد مماثلة لصفاته تعالى، بل مشابهة لها بوجه من الوجوه حتى إن الاشتراك ليس إلا لفظيًّا.
قال الغزالي: وما تداولته ألسنة الصوفية من كلمات تشير إلى ما ذكرناه، لكن على وجه يوهم عند غير المحصِّل شيئًا من معنى الحلول والاتحاد، وذلك غير مظنون لعاقل فضلًا من المميزين بخصائص المكاشفات؛ فإن معاني الأسماء هي صفات اللَّه تعالى، وصفاته لا تصير صفة لغيره، ولكن معناه أنه يحصل له شيء يناسب تلك الأوصاف، كما يقال: فلان حصَّل علم أستاذه، وعلمُ الأستاذ لا يحصل للتلميذ، بل يحصل له مِثْلُ علمه وشبهه، وإن ظن ظانّ أن المراد به ليس ما ذكرناه فهو باطل، وجملة الأمر أن قول القائل: إن صفات اللَّه تعالى تصير أوصافًا للعبد لا يخلو: إما أن يعنى بها عين تلك الصفات أو مثلها، وإن عني به مثلها فلا يخلو: إما أن يعنى به مثلها مطلقًا من كل وجه، أو مثلها من حيث الاسم أو من وجه المشاركة في عموم الصفات دون خواص المعاني، وإن عني به عينها فلا يخلو: إما أن يكون بطريق انتقال