ومن عرف أن اللَّه هو العزيز من شأنه أن لا يعتقد لمخلوق عزة وإجلالًا، ولا يطلب العزّ إلا في طاعته وخدمته، والتخلق للعبد فيه أن يغلب على نفسه [و] هواها، ويشتد قوته وصولته عليها، ولا يذلها ولا يستهنيها بالمطامع والسؤال عن الناس والافتقار إليهم، بل يسعى أن يصير بحيث يعظم خطره، ويشتد إليه احتياج الناس في الإرفاق والإرشاد، ويصير قليل المِثْل بل عديمَه، ويصعب الوصول إليه وإلى معرفة كنه حاله.
قال الإمام الغزالي (١): العزيز من العباد من يحتاج إليه خلق اللَّه في أهم أمورهم، وهي الحياة الأخروية والسعادة الأبدية، وذلك مما يقلُّ لا محالة وجوده ويصعب إدراكه، وهذه رتبة الأنبياء صلوات اللَّه عليهم، ويشاركهم في العزة من ينفرد بالقرب من درجتهم كالخلفاء وورثتهم من العلماء، انتهى.
وأقول: وإليه الإشارة بقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}[المنافقون: ٨]، اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلنا بمعصيتك، واجعلنا غالبين على النفس بكسر شهواتها عزيزًا في الدنيا والآخرة، إنك أنت العزيز الحكيم.
وقوله:(الجبار) المبالغ في الجبر، والجبر يجيء بمعنى الإصلاح وبمعنى القهر، وقد يستعمل بمعنى العلوّ، يقال: نخلة جبارة، للباسقة التي لا تنالها الأيدي، فمعنى الجبار: المصلح لأمور العباد، والمتكفل بفضله لمصالحهم، أو الحامل للعباد على ما يشاء، لا انفكاك لهم عما شاء، أو المتعالي أن يناله كيد الكائدين، ويؤثر فيه قصد القاصدين، وبالنظر إلى المعنيين الأخيرين قال الغزالي: هو الذي ينفّذ مشيئته على
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٧٤).