[سبيل] الإجبار في كل أحد، ولا تنفذ فيه مشيئة أحد، الذي لا يخرج أحد عن قبضته، وتقصر الأيدي دون حمى حضرته، والجبار من العباد من ارتفع عن الأتباع، ونال درجة الاستتباع، وتفرد بعلوّ رتبته بحيث يُجْبِرُ الخلق بهيئته وصورته على الاقتداء به، ومتابعته في سَمْته وسيرته، فيفيد الخلق ولا يستفيد، ويستتبع ولا يتبع، ولا يشاهده أحد إلا ويفنى عن ملاحظة نفسه، ولا يطمع [أحد] في استتباعه، وإنما حظي بهذا الوصف سيد البشر -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث قال:(لو كان موسى حيّا ما وسعه إلا اتباعي)(١)، انتهى.
وهذا إشارة إلى بيان التخلق بهذا الاسم، وتفصيلُه: أن يُقبل العبد على نفسه، فيَجْبُرَ نقائصها باستكمال الفضائل، ويَحملَها على ملازمة التقوى، والمواظبةِ على الطاعة، ويترفع عما سوى الحق غيرَ ملتفت إلى الخلق، فلا يتأثر عن تعاور الحوادث وتعاقب النوازل عن الخلق ونزول الحوادث، بل تقوى على التأثير في الأنفس والآفاق بالإرشاد والإصلاح، وإذا عَرَفَ أن اللَّه هو مصلح الأحوال وجابر القلوب فلا يتوجه إلا إليه، ويكون دائمًا منكسر القلب ملتجئًا إليه تعالى، وإذا عرف أنه الجبار الحامل للعباد على ما يشاء لا محيص لهم عما يشاء يكون راضيًا بفعله، ومستسلمًا لإرادته، قانتًا عن حوله وقوته، وتاركًا لتدبيره واختياره، ومن عرف أنه لا تناله الأيدي بعلوّ قدره يتحقق أنه لا سبيل إليه إلا بفضله وكرمه، ولا وصول إليه إلا بإيصاله وتقريبه، اللهم يا مصلح الأحوال ويا جابر القلوب المنكسرة أصلح أحوالنا، واجبر كسر بالنا، واجعلنا راضين بفعلك مسلمين لإرادتك، وأوصلنا إلى علوّ جنابك، فلا وصول إليك إلا بفضلك وكرمك، إنك على كل شيء قدير.
(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤٦٣١)، والبيهقي في "الشعب" (١٧٥)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٦٤٢١).