للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُتكَبِّرُ، الْخَالِقُ، الْبَارِئُ، الْمُصَوِّرُ،

ــ

وقوله: (المتكبر) هو الذي يرى غيره حقيرًا بالإضافة إلى ذاته، ولا يرى الكبرياء إلا لنفسه، فينظر إلى غيره نظر الملوك إلى العبد، ولا يصح ذلك إلا على الكبير على الإطلاق حقًّا، وهو اللَّه تعالى عزَّ وجلَّ، ومن عرف كبرياء الحق وعلوَّ قدره لازَم طريق التواضع، وسلك سبيل التذلل. والتخلق فيه: أن يَستحقِرَ كل شيء سوى الوصول إلى جناب القدس من مستلذات الدنيا والآخرة، ويترفَّع عن الركون إلى الشهوات والسكون إلى الدنيا وزخارفها بملاحظة علو شأن الإنسانية، وارتفاع قدرها، لا لتعظيم نفسه وذاته، اللهم صغر الدنيا بأعيننا، وعظم جلالك في قلوبنا، وذللنا عند مشاهدة كبريائك وعظمتك، وكبرنا عند ملاحظة المتكبرين، وصغرنا مع المساكين والمنكسرين.

وقوله: (الخالق، البارئ، المصور) قد يظن أن هذه الأسماء مترادفة، فإن الكل يرجع إلى الخلق والاختراع، وليس كذلك، فإن الخلق هنا بمعنى التقدير، والبرء بمعنى الإيجاد، والتصوير إعطاء الصورة، وكلُّ ما يخرج من العدم إلى الوجود يفتقر إلى التقدير أولًا، وإلى الإيجاد ثانيًا، وإلى التصوير ثالثًا؛ كالبناء مثلًا، فاللَّه تعالى خالق من حيث إنه مقدِّر، وبارئ من حيث إنه مخترع موجد، ومصوِّر من حيث إنه مرتب صور المخترعات، وهذا ظاهر في أجزاء العالم كالإنسان وسائر الحيوانات والنباتات والجمادات وأجزائها وأعضائها، بل العالم كله في حكم شخص واحد من أجزاء وأعضاء، قد رتبت أجزاؤه ترتيبًا محكمًا، وصورت صورة بديعة، وفي جميع ذلك حِكَم ومصالح تُحَيِّر الناظر المتأمل فيها قائلا: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران: ١٩١] {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: ١٤]، وينبغي أن يُديم هذا النظرَ حتى يحصِّل مشاهدة الصانع بحيث يصير كلما نظر إلى شيء وجد اللَّه عنده.

<<  <  ج: ص:  >  >>