قال الإمام الغزالي (١): حظ العبد من اسم المصور بأن يحصِّل في نفسه صورة الموجود كله على هيئته وترتيبه حتى يحيط بهيئة العالم كله، كأنه ينظر إليها، ثم ينزل من الكل إلى التفاصيل من الجسمانيات والروحانيات، وبذلك يستفيد العلمَ بمعنى اسم المصور، ويصير أيضًا باكتساب الصورة في نفسه كأنه مصوِّر وإن كان على سبيل المجاز، فإن تلك الصور العلمية إنما تحدث فيه على التحقيق بخلق اللَّه تعالى واختراعه لا بفعل العبد، ولكنْ للعبد سعيٌّ في التعرض لنفحات اللَّه وفيضانه.
وكذلك اسم الخالق والبارئ لا مدخل للعبد أيضًا فيهما إلا بنوع من المجاز بعيدٍ، ووجهه: أن الخلق والإيجاد يرجع إلى استعمال القدرة بموجب العلم، وقد خلق اللَّه تعالى له علمًا وقدرة، وله سبيل إلى تحصيل مقدوراته على وفق تقديره وعلمه، وهي التي ترجع إلى أعمال العباد كالصناعات والسياسات والعبادات، وإذا بلغ العبد في مجاهدة نفسه [مبلغًا] ينفرد [فيه] باستنباط أمور لم يُسبق إليها [كان كالمخترع لمَا لم يكن له وجود من قبل]. ومن أسماء اللَّه تعالى ما يكون نقلها إلى العبد مجازًا وهو الأكثر، ومنها ما يكون في حق العبد حقيقةً وفي حق اللَّه مجازًا، كالصبور والشكور، ولا ينبغي أن تُلاحظ المشاركة في الاسم، ويُذهَل عن هذا التفاوت العظيم الذي ذكرناه، انتهى.
وقوله:(الغفار) الغفر: الستر، واللَّه تعالى ساتر القبيح ومظهر الجميل، والذنوب من جملة القبائح التي سترها بإرسال الستر عليها في الدنيا، والتجاوز عن عقوبتها في الآخرة، ومن جملة ستره على العبد أن جعل مقابح بدنه التي تستقبحها الأعين مستورة
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٧٨، ٧٩).