للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُعِزُّ، الْمُذِلُّ،

ــ

ولما عرف العبد أن اللَّه تعالى هو الخافض والرافع التجأ إليه واستعاذ به أن يخفضه ويجاوره الأشقياء، ودعا وسأله أن يرفعه ويرزقه مصاحبة السعداء.

وحظ العبد من ذلك: أن يخفض الباطل ويرفع الحق، ويعاديَ أعداء اللَّه ليخفضهم، ويواليَ أولياء اللَّه ليرفعهم، ومن أفضل الأعمال الحبُّ للَّه والبغض للَّه، كما ورد في الكلام القدسي: (أما زهدك في الدنيا فقد استعجلت به راحة [نفسك]، وأما ذكرك إياي فقد تشرفت بي، فهل واليت لي وليًّا؟ وهل عاديت لي عدوا؟ (١)).

اللهم ارفعنا ولا تخفضنا، وانصرنا ولا تخذلنا، وأعطنا ولا تحرمنا، لنرفع الحق وأهله، ونخفض الباطل وحزبه، يا ناصر يا معين يا حق يا مبين.

وقوله: (المعز، والمذل) يعز من يشاء، ويذل من يشاء، قال الغزالي (٢): هو الذي يؤتي الملك من يشاء ويسلبه عمن يشاء، والعز الدائم والملك الحقيقي في الخلاص عن ذل الحاجة وأسر النفس وقهر الشهوة ووصمة الجهل، فمن رفع الحجاب عن قلبه حتى شاهد جمال حضرته، ورزق القناعة حتى استغنى بها عن خلقه، وأمدّه بالقوة والتأييد.

حتى استولى بها على صفات نفسه، فقد أعزه وآتاه الملك عاجلًا وآجلًا، ومن مدّ عينه إلى الخلق حتى احتاج إليهم، وسلط عليه الحرص حتى لم يقنع بالقناعة، واستدرجه بمكره حتى اغترّ بنفسه. وبقي في ظلمة الجهل، فقد أذلّه وسلبه الملك، انتهى.


(١) هكذا أورده الدينوري في كتابه "المجالسة وجواهر العلم" (٣/ ٣٣٦، و ٧/ ١٤٢) عن الفضيل وابن المبارك.
(٢) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>