للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّمِيعُ، الْبَصِيرُ،

ــ

وهذا هو الإعزاز أو الإذلال الحقيقيين الروحانيين (١)، وقد يشمل الإعزاز والإذلال الحسيين الجسمانيين؛ كالقوة والجمال، والجاه والمال وشرف النسب، والتظاهر بالأتباع والأنصار وأضدادها، إن ظهر نفع ذلك وضرره في الدين ويبقى أثره في المسلمين، وحظ العبد: أن يسأل اللَّه التوفيق لِمَا يعزه وهو الطاعة، ويستعيذ به من موجبات الإذلال أعني المعصية، وأن يعز الحق وأهله، ويذل الباطل وحزبه، كما عرفت في الخافض والرافع.

قال بعض المشايخ: ما أعز اللَّه عبدًا بمثل ما يرشده إلى ذل نفسه، وما أذل اللَّه عبدًا بمثل ما يردُّه إلى توهم عزّه، اللهم أعزنا بطاعتك، ولا تذلّنا بمعصيتك، فإنه لا يذلّ من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، يا ذا الجلال والإكرام.

وقوله: (السميع البصير) هما صفتان للَّه تعالى تنكشف بهما المسموعات والمبصَرات انكشافًا تامًا من غير احتياج إلى حاسة وآلة، وهو الأكمل؛ لأن الجوارح والآلات معرَّضة للتغير والآفات، وهذا محل الحذر عن التشبيه، ولما ثبت تنزيهه تعالى عن صفات الجسم ثبت أنه منزَّه عن ذلك، ومن عرف أنّ اللَّه تعالى سميع بصير فلا يتكلم إلا بما يرضاه، ولا يتحرك إلا في رضاه، ويلزم دوام المراقبة ومطالبةَ النفس بالمحاسبة، وإليه الإشارة بقوله: (فبي يسمع وبي يبصر).

والتخلق بهذين الاسمين: أن يسمع كلام اللَّه وكتابه العزيز الذي أنزله فيستفيد به الهداية، ويسمع الحق فيتبعه، ويبصر عجائب ملكوت السماوات والأرض فلا يكون نظره إلا عبرة، اللهم ارزقنا سمعًا نسمع به كلامك، وبصرًا نبصر به آياتك، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا، واجعله الوارث منا، إنك أنت السميع البصير.


(١) كذا في المخطوطة، والظاهر أنهما الحقيقيان والروحانيان.

<<  <  ج: ص:  >  >>