اللهم يا من لا مَرَدّ لقضائه، ولا مُعَقِّب لحكمه بعطائه وبلائه، رضينا بقضائك وتقديرك، واعزلنا عن تدبيرنا لأنفسنا بتدبيرك، واجعلنا مستسلمين لحكمك منقادين لأمرك، وأخرجنا عن القلق والتحير في بادية القضاء ودائرة التكليف حتى نكون مسلمين مستسلمين محكومين لحكمك، وحاكمين على أنفسنا بأمرك، وأنت أحكم الحاكمين.
وقوله:(العدل) بمعنى العادل مصدر نعت به للمبالغة، والعدل يجيء بمعنى ضد الجور والظلم وبمعنى الاستقامة والاعتدال، والمعاني الثلاثة قريبة، فهو سبحانه لا يميل عن طريق الحق في أفعاله، ولا يظلم عباده؛ لأنه الحق، والكل ملكه، وكل أفعاله مستقيم واقع على ما ينبغي، متضمن لحِكَم لا تُعدّ ولا تحصى، كما قال تعالى:{مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} الآية [الملك: ٣]، ومن نظر في ملكوت السماوات والأرض، وطالع آيات اللَّه في الأنفس والآفاق، كما في ترتيب الأجرام العلوية والسفلية، وأجزاءِ الإنسان وأعضائه، وباقي أوضاع المخلوقات وأحوالها وصفاتها، عرف أن الكل واقع على ما ينبغي أن يكون عليه، وقد فصَّل بعضها الإمام الغزالي.
فينبغي للعبد أن لا يعترض على اللَّه سبحانه في تدبيره وحكمه، بل يرى الكل منه حقًّا وعدلًا، وينبغي أن يعدل فيما بين الناس، خصوصًا فيمن كان من رعيته وفي مملكة وجوده [و] يجعل الشهوة والغضب أسيرين تحت سياسة العقل والدين ومنقادين لهما، ويقوِّم أفعاله ليستقيم على حد التوسط بين الإفراط والتفريط الذي هو معنى العدالة، وتنكشف له معرفة الحق وعدالة أفعاله مشاهدة وعيانًا على قدر التصفية والتجلية، وأنّى يفتح ذلك لمن استغرقه هَمُّ الدنيا واستعبده الهوى.
اللهم افتح علينا أبواب حكمتك، وأقمنا في مقام العدل والاستقامة مائلًا عن الزيغ والظلم على أنفسنا، وأرنا ملكوت السماوات والأرض لنكون من الموقنين.