وقوله:(اللطيف) قيل: معناه المُلْطف، كالبديع بمعنى المبدع، وقد اختلف في مجيء فعيل بمعنى مُفْعل، وقيل: العليم بخفيات الأمور ودقائقها وما لَطُفَ منها، وهو الذي اجتمع له الرفق في الفعل، والعلم بدقائق المصالح، وإيصالها إلى من قدَّرها، قال الإمام الغزالي (١): إنما يستحق هذا الاسم من يعلم دقائق المصالح وغوامضها، وما دقّ منها وما لطف، ثم يسلك في إيصالها إلى المستصلح سبيل الرفق، فإذا اجتمع الرفق في الفعل واللطف في الإدراك تمّ معنى اللطف، ولا يتصور كمال ذلك إلا للَّه تعالى، أما إحاطته بالدقائق والخفايا فلا يمكن تفصيل ذلك، وأما رفقه في الأفعال ولطفه فيها، فلا يدخل تحت الحصر، ولا يعرفه إلا من عرف تفاصيل أفعاله، وعرف دقائق الحكمة، وبقدر اتساع المعرفة فيها تتسع المعرفة لمعنى اسم اللطيف.
ثم نبّه الإمام على بعض أمثلته وجُمَله؛ كلطفه في خلقه الجنينَ إلى آخر عمره، وفي إيصال الغذاء إلى الآدمي، وكإخراج اللبن الصافي بين الفرث والدم، وإخراج الجواهر النفيسة من الأحجار، وإخراج العسل من النحل، والإبريسم من الدود، والدر من الصدف.
قال: وأعجب من ذلك خلقُه من النطفة القذرة مستودعًا لمعرفته وحاملًا لأمانته ومشاهدًا لملكوت سماواته، وهذا مما لا يمكن إحصاؤه، ومن لطفه بعباده أنه أعطاهم فوق الكفاية، وكلّفهم دون الطاقة، وأنه يسَّرَ لهم الوصول إلى سعادة الأبد بسعي خفيف في مدة قصيرة، وهي العمر، بل في ساعة لطيفة كمن آمن ومات من ساعته، وحق من عرفه لطيفًا وعالمًا بمكنونات الضمائر، وموصلًا إليه جلائل النعم برفق، أن يشكره ويعترف بتقصيره.
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ١٠١).