والتخلق به: أن يلطف بعباده ويرفق بهم في الأرفاق الحسية الدنيوية والمنافع الروحانية الدينية، كالدعوة إلى اللَّه والإرشاد إلى طريقة الحق برفقٍ ولطفٍ وموعظةٍ حسنة، وشمائل مَرْضية، وأعمال صالحة، يا لطيف الطف بي وبوالدي وأولادي في جميع الأحوال كما تحب وترضى، واعف عنا، وعاملنا بلطفك الجميل يا لطيف:
والطف بعبدك في الدارين إن له ... صبرًا متى تدعه الأهوال ينهزمِ
وقوله:(الخبير) هو الذي لا تعزب عنه الأخبار الباطنة، فلا يجري في الملك والملكوت شيء، ولا تتحرك ذرة ولا تسكن، ولا تضطرب نفس ولا تطمئن، إلا ويكون عنده منه خبر، ويرجع معناه إلى معنى العليم إلا أن يخص بالأخبار كما أشير إليه.
وقال الغزالي (١): وهو بمعنى العليم، لكن العلم إذا أضيف إلى الخفايا الباطنة يسمى خِبْرةً، ويسمى صاحبها خبيرًا، هذا وقد يجعل الخبير بمعنى المخبر، أي: المتمكن من الإخبار عما علمه، ويرجع إليه صفة الكلام، ومن عرف أن اللَّه تعالى خبير لزم التقوى ظاهرًا وباطنًا، ومن عرف أنه مطلع على سرّه اكتفى عن سؤاله لعلمه بحاله وشأنه، أو أحضر الحاجة بقلبه من غير أن ينطق بلسانه.
والتخلق به: أن يكون خبيرًا بما يجري في عالمه وقلبه وبدنه، ويكون ذا خبرة بالغة عن مكايد نفسه ومكرها وخدعها ذا حذر منها، وعلى المعنى الثاني أن يكون مخبرًا بها للناس، ومنذرًا وداعيًا إلى طريق النجاة منها، اللهم أنت العليم الخبير بظواهرنا وبواطننا فأصلحها، ووفقنا للاختيار عن أحوال نفوسنا حتى تتزكى، وصفات قلوبنا حتى تتطهر، واجعلنا مخبرين بها الخلق داعين لهم إلى طريق الحق، يا عليم يا خبير.
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ١٠٣).