وقوله:(الحليم) هو الذي لا يستفزه غضب، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على استعجال العقوبة ومسارعة الانتقام مع غاية الاقتدار على ذلك، واللَّه هو الحليم على الإطلاق؛ فإن العبد قد لا يستعجل العقوبة لكن يكون على عزمها بالحقد، قال بعضهم: الحقود يؤخر الانتقام انتهازًا للفرصة، والحليم يؤخره انتظارًا للتوبة، وقد وصف تعالى ذاته بالانتقام أيضًا، فحق العبد أن يخاف من انتقامه، ويرجو العفو لحلمه؛ لأنه إذا حلم عنه في الحال فيرجى أن يغفر له في المآل. ووجه التخلق به ظاهر.
يا حليم ذا الأناة جنبنا عن غضبك، ولا تغرَّنا بحلمك، وأوقفنا في مقام خوفك ورجائك، واجعل عاقبة أمورنا العفو والمغفرة، إنك أنت الحليم الغفور.
وقوله:(العظيم) الذي لا يتصوره عقل ولا يحيط بكنهه بصيرة، والعظيم قد يطلق على الأجسام فيقال: هذا الجسم عظيم، وذلك أعظم منه، إذا كان امتداد مساحته في الطول والعرض والعمق أكثر منه، ثم هو ينقسم إلى عظيم يملأ العين ويأخذ منه مأخذًا كالجمل والفيل مثلًا، وإلى ما لا يحيط البصر بجميع أطرافه كالأرض والسماء، وهذا أعظم من الأول، وقد يطلق على مدركات البصائر، وفيها أيضًا تفاوت، فمنها ما يحيط العقل بكنه حقيقتها، ومنها ما تقصر العقول عنها أكثرها أو بعضها، ومنها ما لا يتصور أصلًا الإحاطة بكنه حقيقته، وذلك هو العظيم المطلق الذي جاوز جميع حدود العقول، ولم تتصور الإحاطة بكنهه، وذلك هو اللَّه تعالى، ومن عرف عظمته يستحقر نفسه ويذللها للإقبال عليه سبحانه، بالامتثال لأوامره والتسليم لأحكامه، والتخلق بأن يحصِّل من الكمالات والصفات الشريفة ما يَعْظُم به قَدْرُه، حتى يبلغ مرتبة لا يبلغ أكثر العقول كنهه، وقد ورد في الحديث أن العالم العامل الذي يعلِّم الناس الخير يسمى في الملكوت عظيمًا، والعظيم من العباد الأنبياء والعلماء الذين إذا عرف