للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْمُقِيتُ، الْحَسِيبُ،

ــ

وقوله: (المقيت) خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان، وهي الأطعمة، وإلى القلوب وهي المعرفة، ومنه قول بعضهم حين سئل: ما القوت؟ [فقال: ] ذكر الحي الذي لا يموت، فيكون بمعنى الرزاق إلا أنه أخص منه؛ إذ الرزق يتناول القوت وغير القوت، والقوت ما يكتفى به في قوام البدن، ويكون بمعنى المقتدر والمستولي.

والاستيلاء يتم بالقدرة والعلم كما في قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء: ٨٥] أي: مطَّلعًا قادرًا، وباعتبار اجتماع المعنيين -أعني: القدرة، والعلم- يخرج عن الترادف للقادر والمقتدر والعالم.

والتخلق به: أن يكون العبد مطعمًا للجائع، ومرشدًا للغافل، ويكون مطلعًا على أحوال نفسه، ومقتدرًا على إصلاحها.

اللهم اجعل ذكرك قوت أرواحنا كما جعلت رزقك كفاف أشباحنا، واجعل قدرتك مستولية على إصلاح أحوالنا، حتى نكون بفضل رزقك للجائعين مطعمين، وبكمال قدرتك وعلمك للغافلين مرشدين، إنك على كل شيء قدير.

وقوله: (الحسيب) الكافي في جميع الأمور، من أَحْسَبَني: إذا كفاني، فعيل بمعنى مُفْعِل، واللَّه تعالى حسيب كل أحد وكافيه، وهذا وصف لا تُتصور حقيقته لغيره تعالى، فإن الكفاية إنما يحتاج إليها المكفيُّ لوجوده، ولدوام وجوده، ولكمال وجوده، وليس في الوجود شيء هو كافٍ لشيء إلا اللَّه؛ لأن به تحصل الأشياء ويدوم به وجودها ويكمل، والأسباب التي لها دخل في وجود الأشياء وكمالها كلها بخلق اللَّه فهو الحسيب المطلق.

وقيل: الحسيب بمعنى المحاسب كالجليس والنديم، وهو الذي يحاسب الخلائق يوم القيامة، ويَعُدُّ عليهم أنفاسهم في الدنيا، وقيل: الشريف، من الحسب بمعنى

<<  <  ج: ص:  >  >>