إلى البصيرة المدركة لها سميت جمالًا، وسمي المتصف به جميلًا، كذا قال الإمام، واسم الجميل في الأصل وُضع للصورة الظاهرة المدركة بالبصر مهما كانت، بحيث تلائم البصر وتوافقه، ثم نقل إلى الصورة الباطنة التي تدرك بالبصائر حتى يقال: سيرة حسنة جميلة، ويقال: خلق جميل، والجميل الحق المطلق هو اللَّه تعالى كما أن الجليل المطلق هو سبحانه؛ لأن كل ما في العالم من جمال وكمال وبهاء وحسن فهو من أنوار ذاته وآثار صفاته، ولذلك يدرِك عارفُه والناظر إلى جماله من البهجة والسرور واللذة ما يستحقر معها نعيم الجنة وجمال الصورة المبصرة، بل لا مناسبة بين جمال الصورة الظاهرة وبين جمال المعاني الباطنة المدركة بالبصائر، وهذا المعنى كشفنا عنه الغطاء في كتاب المحبة من كتاب (إحياء علوم الدين).
وإذا عرف العبد أن الجليل على الحق، والجميل المطلق هو اللَّه، فلا يعظِّم ولا يحب إلا إياه، والتخلق بهما: أن يجعل نفسه موصوفة بصفات الكمال، ويحسن صفاته الباطنة والأخلاق الذميمة حتى يصير جليلًا جميلًا يحبه اللَّه وخَلْقُه.
اللهم إنا نسألك بجلال ذاتك، وجمال صفاتك، أن تجعلنا مشاهدين لجلالك، ومحبين لجمالك، متصفين بصفات الكمال، مستفيضين من أشعة ذلك الجلال والجمال.
وقوله:(الكريم) قالوا: هو الذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرجاء، ولا يبالي كم أعطى ولا لمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جُفي عاتب وما استقصى، ولا يضيع من لاذ به والتجا، ويغنيه عن الوسائل والشفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتكليف فهو الكريم المطلق، وما ذلك إلا اللَّه وحده، وحظ العبد: أن يتكلف في تحصيل ذلك، ويتجمل في الاتصاف بها،