وأما صبر العبد فلا يخلو عن مقاساة؛ لأن معنى صبره هو ثباتُ داعي الدين أو العقل في مقابلة داعي الشهوة والغضب، ووجه التخلق به ظاهر، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[البقرة: ٢٥٠]{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[آل عمران: ٢٠٠].
تم شرح الأسماء الحسنى بفضل اللَّه وتوفيقه، ونختمه بكلمة نقلها الإمام محمد الغزالي (١) عن الشيخ أبي علي الفارمذي رحمهما اللَّه، حيث قال: سمعت الشيخ أبا علي الفارمذي يحكي عن شيخه أبي القاسم الكركاني قدس اللَّه روحهما أنه قال: [إن] الأسماء التسعة والتسعين تصير أوصافًا للعبد السالك، وهو بَعْدُ في السلوك غير واصل، انتهى.
ويشكل هذا في بادئ النظر أن الظاهر من كلام القوم أن السلوك عبارة عن تهذيب الأخلاق ونفي صفات البشرية، فإذا حصل هذا حصل الفناء، وبه يتم السلوك وبعده البقاء والوصول، وإذا تخلق العبد بأخلاق اللَّه واتصف بصفاته فقد خرج عن صفات البشرية وفني عنها، فماذا بقي بعدُ من الوصول؟
وبهذه الملاحظة قال الإمام: فإن قلت: فما معنى قوله: إن العبد مع الاتصاف بجميع ذلك سالك لا واصل، فما معنى السلوك وما معنى الوصول؟ فاعلم أن السلوك هو تهذيب الأخلاق والأعمال والمعارف، وذلك اشتغال بعمارة الظاهر والباطن، والعبد في جميع ذلك مشغول بنفسه عن ربه إلا أنه مشتغل بتصفية باطنه استعدادًا للوصول بأن ينكشف له جلية الحق ويصير مستغرقًا به، فإن نظر إلى معرفته فلا يعرف
(١) "المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء اللَّه الحسنى" (ص: ١٥٠).