وقوله:(ما نجاة هذا الأمر) قال الطيبي (١): يجوز أن يكون المراد بالأمر ما عليه المؤمنون من الدين، أي: نسأله عما يتخلص به من النار، وأن يراد به ما عليه الناس من غرور الشيطان وحب الدنيا والتهالك فيها والركون إلى شهواتها وركوب المعاصي وتبعاتها، أي: نسأله عن نجاة هذا الأمر الهائل، وهذه الكلمة سبب النجاة من النار، والنجاة من الغفلة وصداء القلب، ولهذا التزمه السائرون إلى اللَّه العارفون به، انتهى ملخصًا.
ويتوجه على الوجه الأول أن عثمان -رضي اللَّه عنه- هو الذي روى الحديث الذي في الفصل السابق من حديث مسلم، وهو:(من مات وهو يعلم أن لا إله إلا اللَّه دخل الجنة)، فكيف يصح قوله:(توفى اللَّه تعالى نبيه -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل أن نسأله عن نجاة هذا الأمر)؟ اللهم إلا أن يقال: إنه نسي الحديث لما دهشه من المصيبة والحيرة، هذا والصواب أن يقال: إن المراد النجاة عن حديث النفس ووسواس الشيطان كما جاء في رواية محمد بن جبير: أن عمر مرّ على عثمان فسلّم عليه، فلم يردّ عليه، فدخل على أبي بكر -رضي اللَّه عنه- فاشتكى ذلك إليه، فقال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: ما منعك أن تردّ على أخيك السلام؟ قال: واللَّه ما سمعته وأنا أحدث نفسي، قال أبو بكر -رضي اللَّه عنه-: فماذا تحدث نفسك؟ قال: خلا بي الشيطان، فجعل يلقي في نفسي أشياء ما أحب أني تكلمت بها وأن لي ما على الأرض، قلت في نفسي حين ألقي الشيطان ذلك: يا ليتني سألت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما ينجينا من