للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كانوا يبالغون فيه ويتجاوزون عن الحد، فكره لذلك، واللَّه أعلم.

قال التُّوربِشْتِي (١): قد اختلف في الإشعار بالطعن وإسالة الدم، فرآه الجمهور، ونفرَ عنه نفرٌ، وقد صادقتُ [بعض] علماء الحديث [يشدِّد] في النكير على من أباه، حتى أفضَتْ مقالته إلى الطعن فيه، والادعاءِ بأنه عاند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في قبول سنته، وكيف يَسُوغ الطعن في أئمة الاجتهاد، وهم في اللَّه يكدحون وعن سنة نبيه يتناضلون، وأنَّى يظن بهم ذلك؟ ولم يدر أن سبيل المجتهد غير سبيل الناقل، وأن ليس للمجتهد أن يسارع إلى قبول النقل والعمل به إلا بعد الاطمئنان والإيقان وتصفح العلل والأسباب، فلعله علم من ذلك ما لا يعلمه غيره، وغاية ما يرمى به المجتهد في قضية يوجد فيها حديث فخالفه، أن يقال: لعله لم يبلغه الحديث، أو بلغه بطريق لم ير قبوله، على أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ساق بعضر هديه من ذي الحليفة وساق بعضها من قديد -موضع بين مكة والمدينة، اشترى [-صلى اللَّه عليه وسلم- هديه] منه كما روى ابن عمر -رضي اللَّه عنهما- وبعضها أتى به عليٌّ -رضي اللَّه عنه- من اليمن، أفلا يحتمل أن يتامل المجتهد في فعل النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فيرى أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما أقام الإشعار في واحدة، ثم تركه في البقية حيث رأى الترك أولى لا سيما والترك آخر الأمرين، واكتفى بالإشعار عن التقليد، وهو يسد مسده في المعنى المطلوب، والإشعار يجهد البدنة، وفيه ما لا يخفى من أذية الحيوان، وقد نهى عن ذلك قولًا، ثم استغنى عنه بالتقليد، ولعله بهذه الاحتمالات رأى القول بذلك؛ لأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قد حج وقد حضره الجم الغفير، ولم يروِ حديث الإشعار إلا شرذمة قليلون، فنظر المجتهد إلى تلك العلل والأسباب، ورأى كراهة الإشعار جمعٌ من التابعين، واللَّه أعلم.


(١) "كتاب الميسر" (٢/ ٦١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>