اللبن الموجود في الضرع حال البيع، والمعنى في ذلك: أن اللبن الحادث بعد العقد ملك المشتري، فيختلط باللبن الموجود حال العقد، فلو رد عليه أو مثله لأفضى ذلك إلى حرج ومشقة، وقد يتعذر الوقوف عليه، فجعل الشارع له بدلًا مقدرًا لا يزيد ولا ينقص، وعند البعض لا يختص بالتمر بل يرد صاعًا من طعام أيِّ طعام كان، والأظهر تعيين التمر للتنصيص عليه، ويحتمل أن يكون ذلك بطريق التمثيل والاكتفاء لا على وجه التعيين والتخصيص، واللَّه أعلم.
وقوله:(وفي رواية لمسلم: رد معها صاعًا من طعام لا سمراء) ظاهره يدل على أن الواجب رد صاع من طعام سوى الحنطة، فقيل: معناه أن التمر متعيِّن ولا يجوز غيره كالحنطة ونحوها، وإنما خص النفي بالحنطة لكونه أعرف في إطلاق اسم الطعام، وإنما تعين التمر لأنه غالب طعام العرب، فينصرف إليه المطلق العام، وقيل: أراد به أن الواجب ردّ صاع من الطعام أيِّ طعام كان، وإن الحنطة غير واجبة على التعيين، وجاز أن يرد صاعًا من تمر أو شعير أو غيرهما، فتدبر.
واعلم أن ثبوت الخيار في المصراة وردَّ صاع من تمر أو طعام هو مذهب الشافعي ومالك وأحمد وأبي يوسف رحمهم اللَّه، مع خلاف في مذهب أحمد رحمه اللَّه في أنه يجب على الفور أو بعد ثلاثة أيام، وأما مذهب أبي حنيفة رحمه اللَّه وطائفة من العراقيين ومالك رحمه اللَّه في رواية أخرى أنه إنما يثبت بالشرط لا بدونه، ولا يجب رد صاع لأنه يخالف القياس الصحيح من كل وجه، لأن الأصل أن الشيء إنما يضمن بالمثل، أو بالقيمة في باب العدديات، أو بالثمن في باب البياعات الصحيحة، وهذا