تعالى، وقد جمع الكل قوله سبحانه تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ}[الأنفال: ٢٧]، فيكون المراد بالخائن الفاسق، وحينئذ يكون ذكر المجلود والزاني وغيرهما مثلًا بعده، وعطفهما عليه من قبيل عطف الخاص على العام لعظم خيانتهما، فلا يتوجه عليه ما قال الشيخ التُّورِبِشْتِي (١): إنه لو كان الأمر على ما قرره البعض من حمل الخيانة على المعنى الأعم لاستغني بذكر الخيانة عن ذكر الزنا في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فعلمنا أنه أراد بالخائن الخائنَ الذي يخون في أمانات الناس، نعم ما ذكره من أنا وجدنا استعمال هذا اللفظ في الأكثر والأغلب في اللغة في خيانة أمانات الناس موجَّهٌ.
فإن قلت: الخيانة من جملة الخفيات التي لا يطلع على حقيقتها إلا عالم الأسرار.
قلنا: يعرف بالأمارات والدلائل، فالمراد بالخائن الذي لا يكاد يخفى أمره لاشتهاره بذلك وظهور ذلك عنه كرَّةً بعد أخرى، كذا قالوا، وأقول: لو لم يعم لبقي كثيرٌ من أنواع الفسق خارجًا، فالصواب التعميم، لكن ذكر بعض الفسوق للتخصيص بعد التعميم.
وقوله:(ولا مجلود حدًّا) يتناول الزاني الغير المحصن والقاذف والشارب، لكن المجلود في القذف لا تقبل شهادته عند أبي حنيفة رحمه اللَّه أبدًا وإن تاب، وجعل قوله تعالى:{وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ} في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٤ - ٥]