لكن ههنا ميثاق آخر خفي عن العقول فاسألوا عن ذلك واسمعوا جوابه، وفائدة اختيار هذا الأسلوب ههنا توكيد الميثاقين والإقامة على عهدين، هذا تحقيق كلامهم، وحاصله حمل الآية على ما فسروا به، وحمل الحديث إما عليه أو جعل الجواب على الأسلوب الحكيم، واعلم أيضًا أن التفسير المذكور للآية أصله من صاحب (الكشاف) بل من المعتزلة كلهم وتبعهم غيرهم، ولهذا قال الإمام: أطبق المعتزلة على أنه لا يجوز تفسير الآية بالحديث، وهو بناء على مذهب القدر؛ لأن هذه الأحاديث تثبت سبق القضاء والتقدير، ولا نزاع في جواز تفسيرها بما فسروا ولكنه ليس بواجب بل فسرها بعض علماء السنة والجماعة بما يوافق هذه الأحاديث على ما هو قصة يوم الميثاق.
وأما قولهم: لو كان المراد إخراجهم من ظهر آدم لما قال: {مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}، بل يجب أن يقول: من ظهره ذريته، فجوابه أن المراد آدم وذريته، وإنما ذكر إخراج الذراري من أصلاب أولاده لا ذراري نفسه؛ لأنه لا حاجة إلى ذكر إخراج الذراري من صلب آدم؛ لأنه ظاهر لكونه أبا البشر كلهم، ولأن الكلام في الاحتجاج على الأولاد من اليهود وغيرهم، ويعضده ما رواه الواحدي عن الكسائي أنه قال: لم يذكر ظهر آدم، وإنما أخرجوا جميعًا من ظهره؛ لأن اللَّه تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من ظهور بعض على نحو ما يتوالد الأبناء من الآباء فاستغنى عن ذكر ظهر آدم، لما علم أنهم كلهم بنوه وأخرجوا من ظهره، كذا ذكر الطيبي في شرح (الكشاف)(١).
(١) اسمه "فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب"، له مخطوطة في الخزانة الأزهرية، انظر: "الأعلام" (٢/ ٢٥٦).