إن المراد بالجزية هاهنا الخراج الذي وضع على الأراضي التي فتحت صلحًا وتركت في أيدي أهل الذمة، وضرب عليهم الخراج، فإذا أسلموا سقط عنه الخراج عن أراضيهم، وسقطت الجزية عن رؤوسهم حتى يجوز لهم بيعها، بخلاف ما لو صولحوا على أن تكون الأراضي لأهل الإسلام وهم يسكنون بها بخراج وضع عليهم، أو فتح عنوة وضرب عليهم الخراج فإنه لا يسقط بإسلامهم، كذا ذكروا، والأكثرون على أن المراد من أن من أسلم من أهل الذمة قبل أداء ما وجب عليه من الجزية؛ فإنه لا يطالب لأنه مسلم، وليس على المسلم الجزية.
قال التُّورِبِشْتِي (١): وهذا قول سديد لو صحّ لنا وجه التناسب بين الفصلين يعني بين الكلامين المذكورين، أحدهما: قوله: (لا تصلح قبلتان في أرض واحدة)، والآخر: قوله: (وليس على المسلم جزية)، انتهى.
ولا يخفى أن حال القول الأول أيضًا كذلك، ثم قال: اللهم إلا أن يكون النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يوصل بينهما على أنهما حديثان اثنان، فأدرج الصحابي أو الراوي عنه أحدهما في الآخر، ومما يدل على ذلك أن أبا داود أخرجه عن ابن عباس ولم يزد قوله:(ليس على المسلم جزية)، انتهى.
وأقول: على تقدير كون الحديث واحدًا لا يجب أن يكون بين الفصلين تناسب؛ لأنه يمكن أن يكون قد جرى الكلام في حضرته -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسألتين بأن سأل بعض الصحابة عن أحدهما وبعضهم عن آخر، فأجاب كلا الطائفتين بكلامين، ومثل هذا كثير في الأحاديث، فتدبر.