جنازة فاطمة -رضي اللَّه عنها- ولم يصل إليها (١)، فقيل: إنها أوصت أن لا يصلي عليها أبو بكر، قالوا: وهذا غلط وافتراء، وكيف توصي -رضي اللَّه عنها- بذلك مع أن الأحق بالإمامة هو السلطان، ولهذا ترك الحسين -رضي اللَّه عنه- مروان أن يصلي على الحسن -رضي اللَّه عنه-، وقال: لولا حكم الشريعة ما تركتك تصلي عليه، وقيل: كانت وفاة فاطمة -رضي اللَّه عنها- في الليل فلم يعلم بها أبو بكر -رضي اللَّه عنه-، وهذا أيضًا بعيد؛ لأن أسماء بنت عميس كانت حينئذٍ تحت أبي بكر، وهي التي تولت غسل الزهراء وتجهيزها، ويبعد أن تحضر زوجته ولا يحصل له الوقوف عليه.
ومما يصرح بعلم أبي بكر بوفاة فاطمة -رضي اللَّه عنها- ما روي أنها قالت: أستحيي أن يخرجوني بعد وفاتي بحضرة الرجال من غير ستر، وكانوا يخرجون النساء كما يخرجون الرجال، فقالت أسماء بنت عميس -وفي رواية: أم سلمة -رضي اللَّه عنها-: رأينا في الحبشة يعملون من جرائد النخل نعشًا مثل الهودج نعمله لك، فعملت عندها على مثال ذلك، فرأته الزهراء ورضيت بها وتبسمت سرورًا بذلك، وما رآها أحد بعد وفاة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- تبسمُ حزنًا، فأوصت إلى أسماء أن تكوني متولية لأمري في الغسل والتجهيز، وعلي معك، ولا تتركي أحدًا يدخل عليَّ معك، فلما توفيت -رضي اللَّه عنها- جاءت عائشة -رضي اللَّه عنها- تريد الدخول، فمنعتها أسماء، فاشتكت عائشة إلى أبيها وقالت: ما لهذه الخثعمية تحول بيننا وبين بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتمنعني من الدخول عليها، وعملت لجنازتها مثل هودج العروس، فجاء أبو بكر على باب دار فاطمة وقام وقال: يا أسماء لم منعت أزواج النبي من الدخول على بنته -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ وأيّ شيء عملت لها مثل هودج العروس؟ فقالت أسماء: هي أمرتني أن لا أترك أحدًا يدخل عليها بعد وفاتها، والذي عملت فهو بإذنها وأريتها