للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَبْدًا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ" قَالَ: "فَيَأْتُونِّي،

ــ

الإقدام عليه والدخول فيه النبيون المذكورون غاية أنهم ذكروا في الظاهر عذرًا لهم، ويدل عليه الحديث الآتي من قول كل واحد: (لست لها)، فافهم، واللَّه أعلم، وليس ذلك تواضعًا منهم وإكبارًا لما يسئلونه، كما قاله الطيبي (١).

وقوله: (غفر اللَّه له ما تقدم وما تأخر) للناس في هذا أقوال، وأحسن الأقوال ما نقل السيوطي عن السبكي أنه قال في تفسيره (٢): وقد تأملت هذا الكلام مع ما قبله وما بعده فوجدته تشريفًا للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من اللَّه سبحانه وتعالى من غير أن يكون هناك ذنب، ولكن أراد أن يستوعب في الآية جميع أنواع النعم الأخروية والدنيوية، والنعم الأخروية شيئان؛ سلبية، وهي عْفران الذنوب، وثبوتية وهي لا يتناهى، أشار إليها بقوله: {وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَا} [الفتح: ٢]، والنعم الدنيوية شيئان؛ دينية أشار إليها بقوله: {وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: ٢]، ودنيوية وهي قوله: {وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح: ٣]، فانتظم بذلك قدر النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنواع نعم اللَّه تعالى عليه المتفرفة في غيره، ولهذا جعل ذلك غاية للفتح المبين الذي عظمه ومجده بإسناده إليه هو في العظيمة، وجعله خاصًا بالنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-.

وقال بعض المحققين: المغفرة هنا كناية عن العصمة، فالمعنى ليعصمك اللَّه فيما تقدم من عمرك وفيما تأخر منه، وقد يكنى عن التخفيفات بلفظ المغفرة والعفو والتوبة، كقوله تعالى عند نسخ قيام الليل: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} [المزمل: ٢٠]، وعند نسخ تقديم الصدقة بين يدي النجوى: {فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} [المجادلة: ١٣]، وعند نسخ تحريم الجماع ليلة الصيام: {فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: ١٨٧].


(١) "شرح الطيبي" (١٠/ ١٩٠).
(٢) انظر: "سبل الهدى والرشاد" (٣/ ١٤٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>