وقال في (الشفا)(١): قيل: إن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لما أمر أن يقول:{وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ}[الأحقاف: ٩] سر بذلك الكفار، فأنزل اللَّه تعالى:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}[الفتح: ٢] أي: إنك مغفور لك غير مؤاخذ بذلك إن لو كان، أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن ابن عباس، وأخرجه أحمد والترمذي والحاكم عن أنس.
وقال بعضهم: المغفرة هنا تبرئته من العيوب، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: فضل اللَّه نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- على سائر الأنبياء بوجوه: منها أن اللَّه تعالى أخبره أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولم ينقل أنه تعالى أخبر أحدًا من الأنبياء عليهم السلام بمثل ذلك، بل الظاهر أنه لم يخبرهم؛ لأن كل واحد إذا طلب منه الشفاعة في الموقف ذكر خطيئته، وإذا استشفعت الخلائق نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- في ذلك المقام قال:(أنا لها).
وفي هذه أقوال مقبولة في هذه الآية، وأما غيرها فمنها مردودة، ومنها ضعيفة، فالمردودة أن المراد بـ {مَا تَقَدَّمَ} ما كان قبل النبوة، وبـ {وَمَا تَأَخَّرَ}: عصمته عنها وهو مردود بأنه لم يقع منه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذنب كبير ولا صغير أبدًا، وهو الحق الذي لا محيد عنه، وكذا ما قيل: إن المراد ما وقع في صغره من خروجه مع الغلمان يلعب، وذلك لا يليق بمقامه، ولم يثبت أن لعبه مع الغلمان كان لعب لهو، بل هذه اللفظة إن يثبت في حديث وجب تأويلها على ما يليق به.
وقد روي أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يعدل وهو رضيع، وكان مرضعته حليمة تعطيه ثديها فيشرب منه، فإذا أعطته الثدي الآخر امتنع لعلمه بأن له شريكًا في الرضاعة، فهذه أجل من ترك اللعب وهو فوق ذلك السن.