للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَخَرَجَ وَهُوَ يَثِبُ فِي الدِّرْعِ وَهُوَ يقولُ: " {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: ٤٥] ". رَوَاهُ البُخَارِيُّ. [خ: ٤٨٧٥].

ــ

وقوله: (وهو) أي: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- (يثب) من الوثوب، أي: يسرع فرحًا ونشاطًا، كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بين خوف من غنى الحق ورجاء بوعده، فرجح بما وجد من اليقين والطمانينة من أبي بكر -رضي اللَّه عنه- جانب الرجاء، فقام وهو يخبر بانهزام الكفار ونصرة المؤمنين إعجازًا بإطلاع اللَّه إياه على الغيب.

قال الخطابي (١): لا يظن أحد أن أبا بكر -رضي اللَّه عنه- كان أوثق بربه من النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في تلك الحال حاشا، بل الحامل له -صلى اللَّه عليه وسلم- على ذلك شفقة على أصحابه وتقوية لقلوبهم؛ لأنه كان أول مشهد شهده فبالغ في التوجه والابتهال لتسكين نفوسهم؛ لأنهم كانوا يعلمون أن مسألته مستجابة، فلما قال له أبو بكر ما قال علم أنه استجيب لما وجد عند أبي بكر من القوة والطمأنينة فكف عن ذلك.

قال بعض العارفين: كما أن وعده تعالى صدق، كذلك لا يجب عليه حق، فوجب اعتبار الأصلين عند التعارض بتقدير الوعد بشرط ستره تعالى عنك، إذ لا يجب عليه بيان ما يريد إشراطه، بل يصلح في الحكمة ستره إبقاءً لسطوة الربوبية في نظر العبد، واستبقاءً لأحكام العبودية عليه، وبذلك تأدب خليل الرحمن صلى اللَّه على نبينا وعليه وسلم حيث قال لقومه: {خَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ} جزمًا بحكم الوعد، ثم قال: {إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا} رجوعًا لاتساع العلم، ثم قال: {وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الأنعام: ٨٠] دفعًا لما يتوهم في استثنائه، وتحقيقًا لما عنده من النظر لاتساع العلم، وكأنه يقول: إنما استثنيت رجوعًا لاتساع العلم وقيامًا بحق الأدب لا شَكًّا في الوعد.


(١) انظر: "فتح الباري" (٧/ ٢٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>