وكذلك نبي اللَّه شعيب عليه الصلاة والسلام حيث قال:{قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ}، فجعل برهان صدقه عدم عوده في ملتهم، قال:{وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا} جزمًا بمقتضى الوعد، ثم استثنى في حاله رجوعًا لاتساع العلم فقال:{إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا}، ثم رفع الإبهام بقوله:{وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا} الآية [الأعراف: ٨٩].
ولما نظر نبينا -صلى اللَّه عليه وسلم- يوم بدر لاتساع العلم قال:(إن أهلكت هذه العصابة لن تعبد بعد اليوم)، ونظر أبو بكر -رضي اللَّه عنه- إذ ذاك لظاهر الوعد فقال: دع مناشدتك ربك فإنه قد وعدك بالنصر، قال الإمام أبو حامد (١): والأول أتم وهذا صحيح واضح، واللَّه أعلم، انتهى. يعني حال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أتم وأكمل لشهوده من صفات القهر والجلال ما لم يشاهده أبو بكر حيث اقتصر علمه على ظاهر الوعد، ولم يتعد إلى مشاهد غنى الحق، وسطوته وجلاله، وإلى اتساع علمه، وأنه لا يجب عليه شيء، وأنه كما وجب أن لا يهتمّ في وعده الكريم لزم أن لا يهتمّ في فعله الحكيم، إذ الكل من عنده، هذا بحكم البر، وهذا بحكم القهر، وفي الجميع قهره وبره.
ومن هنا يقال: إنه يحصل الأمن للمقربين بحكم الإيمان بصدق الوعد، ويبقى الخوف بمعرفة صفة (لا أبالي)، ولهذا صدر من المبشرين من الصحابة ما هو يشعر بغاية الخوف، يفعل اللَّه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون، واللَّه أعلم.