عروض السحر وأمثاله عليه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وتوهموا أنه مما يمنع الثقة بالشرع بأقواله وبأفعاله، ويوجب لبسًا وشكًا في أمره، وهذا التوهم باطل بعد وجود الدلائل القطعية على صدقه وثبوت نبوته، وإنما السحر مرض من الأمراض وعارض من العلل، يجوز طريانه عليه كأنواع المرض مما لا ينكر ولا يقدح في نبوته، ولو فرض شيء من الاختلال في الأفعال بعلة المرض فإنه لا يوجب ظن الاختلال في سائر الأفعال التي لا مدخل فيها للمرض بعد حصول الصحة وزوال المرض.
والأنبياء صلوات اللَّه وسلامه عليهم يجوز أن يطرأ عليهم العوارض البشرية من الآفات والتغيرات والآلام والأسقام ما يجوز على غيرهم، فإن أجسامهم وظواهرهم خالص للبشرية، وأما أرواحهم وبواطنهم فمعصومة منه متعلقة بالملأ الأعلى لأخذها العلم عنهم، وتلقيها الوحي منهم، وقد يقيهم اللَّه سبحانه عن الآفات البشرية أيضًا ويعصمهم منها معجزة لهم وإظهارًا لشرفهم وامتيازهم من سائر البشر إذا اقتضت الحكمة ذلك، فليس وقايته من سم اليهودية أقل من سحر ابن الأعصم، وأمثال ذلك كثيرة.
والحكمة في تأثير السحر في جسمه -صلى اللَّه عليه وسلم- إظهار أن السحر حق ثابت جرت به السنة الإلهية، وإظهار صحة نبوته فإن السحر لا يؤثر في الساحر، وأما ما ورد: أنه كان يخيل إليه -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه فعل الشيء وما فعله ولا يفعله، فليس في هذا ما يدخل عليه داخلة في شيء من تبليغه أو شريعته، أو يقدح في صدقه لقيام الدليل على عصمته، وإنما هذا فيما يجوز طرؤه عليه في أمر دنياه التي لم يبعث بسببها ولا فضل من أجلها، فغير بعيد أن يخيل إليه من أمورها ما لا حقيقة له، ثم تجلى عنه كما كان.
وقد فسره ما جاء في الحديث الآخر من قوله: حتى يخيل إليه أنه يأتي أهله