الواحد إذا كان مخالفًا للإجماع لم يقبل، وقال علي بن المديني -وهو من أكابر أئمة الحديث، من شيوخ البخاري ومن أقران الإمام أحمد بن حنبل-: لم يثبت هذا الحديث عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال: ليس لأحد من الفريقين في تقدير الماء وتحديده حديث صح عنه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وقال الزركشي (١): صححه ابن خزيمة وابن حبان والدارقطني، وقال الحاكم: على شرط الشيخين، ونقل عن الطحاوي خبر القلتين صحيح وإسناده ثابت وإنما تركناه لأنا لا نعلم ما القلتان، وقال الشيخ: إن القلة اسم مشترك يقال على الجرة والقربة ورأس الجبل، واللَّه أعلم.
ولما وقع الكلام في تقدير الماء وتحديده في التنجس وعدم التنجس ناسب أن نفصل الكلام في هذا المقام فنقول وباللَّه التوفيق: اعلم أن مذهب أصحاب الظواهر أن الماء لا ينجس بوقوع النجاسة فيه أصلًا، سواء كان جاريًا أو راكدًا، كثيرًا أو قليلًا، وسواء تغير لونه أو طعمه أو ريحه أو لم يتغير، وعامة العلماء على أنه إن كان قليلًا يتنجس وإن كان كثيرًا لا، ثم اختلفوا في حد الفاصل بين القليل والكثير، فقال مالك: فما تغير لونه أو طعمه أو ريحه فهو قليل، وما لم يتغير فكثير، فهو قد جعل التغير وعدمه معيارًا للقلة والكثرة، وقال الشافعي -وهو مذهب أحمد-: إن كان الماء قلتين فهو كثير، ولا يحمل الخبث ولا يتنجس، وإلا فهو قليل يتنجس، وأصحابنا الحنفية رحمهم اللَّه قالوا: إن كان الماء بحال لا يخلص ولا ينفصل بعضه عن بعض فهو كثير، وإلا فقليل.
واحتج أصحاب الظواهر بحديث بئر بضاعة الآتي من قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء)، والجمهور يقولون: إن هذا القول وإن كان مطلقًا في الظاهر لكنه