ذلك إلى الدلائل الحسية دون السمعية، وجعلوا معيار القلة والكثرة الخلوص، وقالوا: الغدير العظيم الذي في حكم الجاري هو الذي لا يخلص ولا ينفصل أجزاء بعضه عن بعض.
ثم اختلفوا في تفسير الخلوص، ففي أكثر الروايات يعتبر الخلوص بالتحريك، يعني يكون بحيث لا يتحرك طرفه عند تحريك الآخر، بأن لا ينخفض ويرتفع من ساعته، كذا قال الشُّمُنِّي.
ثم اختلفوا في سبب التحريك، روى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما اللَّه: أن المعتبر التحريك بالاغتسال من غير شدة وعنف؛ لأن الحاجة إلى الحياض في الاغتسال أكثر، وروى محمد أنه يعتبر التحريك بالوضوء لأنه وسط، وفي رواية باليد من غير اغتسال ووضوء، وفي هذا توسعة، وظاهر الرواية عن أبي حنيفة: أن المعتبر غلبة الظن، إن غلب على الظن وصول النجاسة إلى الطرف الآخر لم يتوضأ، وإلا توضأ.
وقال شمس الأئمة: المذهب الظاهر التحري والتفويض إلى رأي المبتلى من غير حكم بالتقدير، فإن غلب على الظن وصولها يتنجس، وإن غلب عدم وصولها لم يتنجس، وهذا هو الأصح.
واعتبر أبو سليمان الجوزجاني الكثرة بالمساحة، واختاره المتأخرون، فقوم اعتبروا ثمانية في ثمانية، وقوم خمسة عشر في خمسة عشر، ونقل عن محمد حين سئل عن الكثير أنه قال: إن كان مثل مسجدي هذا فكثير، فقيس حين قام وكان اثني عشر في مثلها في رواية، وثمانية في ثمان في أخرى، وصرحوا بأن محمدًا رجع عن هذا، وقال أبو عصمة: كان محمد بن الحسن يوقت في ذلك عشرة في عشرة، ثم رجع إلى