وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة أنهما رجَّحا روايةَ إسرائيل، وكأن الترمذي تبعهما في ذلك. والذي يظهر أن الذي رجحه البخاري هو الأرجحُ، وبيانُ ذلك أن مجموعَ كلام الأئمة مشعر بأن الراجح على الروايات كلها: إما طريقُ إسرائيل، وهي: عن أبي عبيدة، عن أبيه، وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، فيكون الإسناد منقطعًا، أو رواية زهير، وهي: عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابن مسعود، فيكون متصلًا، وهو تصرف صحيح؛ لأن الأسانيدَ فيه إلى زهير وإلى إسرائيل أثبت من بقية الأسانيد. وإذا تقرر ذلك، كانت دعوى الاضطراب في هذا الحديث منتفيةً، لأن الاختلاف على الحفاظ في الحديث لا يوجب أن يكون مضطربًا إلا بشرطين: أحدهما: استواء وجوه الاختلاف، فمتى رجح أحد الأقوال، قُدِّم، ولا يُعَلُّ الصحيح بالمرجوح. ثانيهما: مع الاستواء أن يتعذر الجمع على قواعد المحدثين، ويغلب على الظن أن ذلك الحافظ لم يضبط ذلك الحديث بعينه، فحينئذٍ يُحكَم على تلك الرواية وحدها بالاضطراب، ويُتوقَّف عن الحكم بصحة ذلك الحديث لذلك، وهنا يظهر عدم استواء وجوه الاختلاف على أبي إسحاق فيه، لأن الروايات المختلفة عنه لا يخلو إسنادٌ منها من مقال غيرَ الطريقين المقدم ذكرهما: عن زهير وعن إسرائيل، مع أنه يمكن رد أكثر الطرق إلى رواية زهير، والذي يظهر بعد ذلك تقديم رواية زهير، لأن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق قد تابع زهيرًا، وقد رواه =