ثم إن ظاهر سياق زهير يشعر بأن أبا إسحاقَ كان يرويه أولًا عن أبي عبيدة، عن أبيه، ثم رجع عن ذلك وصيَّره: عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فهذا صريح في أن أبا إسحاق كان مستحضِرًا للسندين جميعًا عند إرادة التحديث، ثم اختار طريق عبد الرحمن، وأضرَبَ عن طريق أبي عُبيدة، فإما أن يكون تذكر أنه لم يسمعه عن أبي عبيدة، أو كان سمعه منه، وحدث به عنه، ثم عرف أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، فيكون الإسناد منقطعًا، فأعلمهم أن عنده فيه إسنادًا متصلًا، أو كان حدث به عن أبي عبيدة مدلسًا له، ولم يكن سمعه منه. فإن قيل: إذا كان أبو إسحاق مدلسًا عندكم، فلِمَ تحكمون لطريق عبد الرحمن بن الأسود بالاتصال مع إمكان أن يكون دلسه عنه أيضًا؟ وقد صرح بذلك أبو أيوب سليمان ابن داود الشاذَكوني فيما حكاه الحاكم في "علوم الحديث" عنه قال: في قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيدة ذكَره، ولكن عبد الرحمن عن أبيه، ولم يقل: حدثني عبد الرحمن، وأوهم أنه سمعه منه: تدليس، وما سمعت بتدليس أعجب من هذا، انتهى كلامه. فالجواب أن هذا هو السبب الحامل لسياق البخاري للطريق الثانية عن إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق التي قال فيها أبو إسحاق: حدثني عبد الرحمن، فانتفت ريبة التدليس عن أبي إسحاق في هذا الحديث، وبيَّن حفيدُه عنه أنه صرح عن عبد الرحمن بالتحديث، ويتأيد ذلك بأن الإسماعيلي لمَّا أخرج هذا الحديث في "مستخرجه على الصحيح" من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن زهير، استدل بذلك على أن هذا مما لم يدلس فيه أبو إسحاق، قال: لأن =