وقال الأستاذ أحمد أمين: نَعَمْ، روى ابنُ النَّدِيم أن محمَّد بْنَ الحَسَنِ ألَّف كتابًا في أُصُول الفِقْه، ولكنْ لم يَصِلْ إلَيْنا هذا الكتاب، حتَّى نستطيع أنْ نقارِنَ بَيْنَهُ وبَيْن "رسالةِ الشَّافِعِي"، ونعْلَمَ ماذا استفاد الشافعيُّ من أصول محمَّدٍ، وماذا اخترع من نَفْسِه؟.
رابعًا: أَبُو يُوسُفَ:
هو: يعقوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ بْن حبيبٍ الأَنْصَارِيُّ الكُوفِيُّ البغداديّ، صاحبُ الإمام أبِي حنيفة وتِلْمِيذُه، وأول من نشر مذهبه، ولد بـ "الكوفة" سنة ١١٣ هـ، وهو أوَّل من دُعِيَ قاضي القُضَاة، وأوَّلُ مَنْ وضَعَ الكُتُبَ في "أصُول الفقه" توفي سنة ١٨٢ هـ.
ومما لا شَكَّ فيه أن أبا يوسُفَ قد استعْمَل لَفْظ "أصُولِ الفِقْه" كما ألمحنا إلى ذلك سابقًا، وسواء أراد به المَعْنَى الإضافيَّ، أو اللَّقَبيَّ الَّذي اشْتهر به عِنْد المتأخِّرين، فإنَّه دلَّ على المنْهج الأصوليِّ. ومما يُذْكَر أنَّه جاء في بَعْض المصادِر مِثْل كتاب "مناقب الإمام الأعْظَم" نَقلًا عَن طَلْحةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ؛ أن أبا يُوسُفَ أوَّلُ من ألَّف الكُتُب في أصُول الفِقْه على مَذْهَب أبِي حَنِيفَة.
ورأى الشَّيْخُ مصطفى عبد الرَّازق أن القَوْل بأنَّ أبا يوسُفَ هو أوَّلُ من تكلَّم في أصول الفِقْه على مذْهَب أبِي حنيفَةَ، إذا صَحَّ، لا يُعَارِض القَوْلَ بأن الشافعيَّ هو الذي وضَع أصولَ الفِقْه علمًا ذا قواعِدَ ومبادئَ عامةٍ يَرْجعُ إليها كلُّ مستَنْبِطٍ لحكْمٍ شَرْعِيٍّ.
وهذه الآراء - الَّتي ألْمَحْنا إليها - وإن كانت تُعْطِينا فكْرة عامَّةً بأنَّ هناك حركات بدأَتْ تنْظُر في تَكْوِين هذا العِلْم إلَّا أن الإمام الشافعيَّ قد أرسَى قواعِدَ هذا الفَنِّ.
قال البيهقي:"ومَنْ وَقَفَ على الحكايات الَّتِي وَرَدَتْ عن علماء عَصْرِهِ وفقهاءِ زَمَنِهِ الَّذِين ماتَ بعْضُهم قبْلَه، وبعْضُهم بَعْدَه، عَرَف اعْتِرَافَهم له بالعِلْم والفِقْه، وأنَّه لم يُسْبَقْ إلى التَّصْنِيف في الأُصُول، وأنَّهم عَنْه أَخَذُوا هذا النَّوْعَ من العِلْم، وواضحٌ في كُتُبِ من صنَّف في أصول الفقه أنَّهم اقتبسوا عِلْمَها، وعلى تأْسِيسِهِ وضَعُوها.
وصَرَّح الرَّازيُّ: بدون تردُّد إلى أن النَّاسَ مُتَّفِقون على ذلك؛ حيث يقول: اتَّفقَ النَّاس على أن أوَّلَ من صنَّفَ في هذا العِلْم - أي: علم - أصولِ الفقهِ - الشافعيّ، وهُو الَّذي نَسَّقَ أبْوَابه، وميَّز بَعْض أقْسَامِه مِنْ بَعْضِ، وفسَّر مراتِبَها في القُوَّة والضَّعْف.
وقال الجُوينيُّ في "شَرْح الرِّسَالة": "لم يَسبِقِ الشافعيَّ أحدٌ في تصانِيفِ الأُصُول،