للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْأَلَةٌ:

الْجُمْهُورُ عَلَى جَوَازِ نَسْخِ التِّلاوَةِ دُونَ الْحُكْمِ وَبِالْعَكْسِ.

وَنَسْخِهِمَا مَعًا. وَخَالَفَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ (١).

وجب ألَّا يقع تكليف مبتدأ.

قال القاضي: بل يجب على دعواهم أن يسقط الواجب [بغير] (٢) بدل أصلًا؛ لأنه أخف وأيسر من النسخ ببدل شاق وإن كان دون المرفوع.

"قالوا: ﴿نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾، والأشق ليس بخير للمكلف".

"وأجيب: بأنه خير باعتبار الثَّواب"؛ فإن الأثقل أكثر ثوابًا على ما قال لعائشة: "إِنَّمَا أَجْرُكِ عَلَى قَدْرِ نَصَبِكِ" (٣).


(١) اعتراف الخلق برحمة الخالق حيث جعل لكل زمان من القوانين ما يناسبه ولكل أمة من الأمم ما يكفل لها سعادتها وراحتها، فبقاء النص ماثلًا بين أعينهم مسلوب الحكم بعد أن كان معمولًا به لأكبر دليل على أنه تولى تربية الأمم، وتدرج بهم إلى الكمال الذي أعده لهم جل شأنه بتغيير الحكم الذي كان يناسب علة متأصلة في الأمة إلى حكم مناسب للدوام والاستقرار، وبذلك يزداد شكرنا، ويقوى امتثالنا للحكم واقتناعنا برحمته، فقد يكون انتقالًا إلى أخف، فنشكر نعمة التخفيف، وقد يكون انتقالًا إلى حكم أشد من الأول، فنشكر نعمة التهذيب لنفوسنا والتعريض للزيادة في مثوبتنا، فمن الأول نسخ عدة المتوفي عنها زوجها بأربعة أشهر وعشر بعد أن كانت حولًا؛ إذ لو بقيت الآية الأولى معمولًا بها حتى الآن لكان ذلك مكرهًا فضليات النساء على التطوح وراء المآرب الدينئة؛ لأن النساء في الزمن الأول كن قادرات على الانتظار تلك المدة الطويلة، فلما عيل صبرهن بكر الغداة ومر العشى اقتضى النظام العادل أن يخفف ذلك من الطويل الشاق إلى هذا المدة القصيرة السهلة: ونسخ مصابرة الواحد عشرة في القتال بمصابرة اثنين؛ وذلك لقلة عدد المسلمين في صدر الإسلام، فلما تضاعف عددهم وقويت شوكتهم زال ذلك المانع، فخفف الله عليهم "ومن الثاني" تحريم الخمر بعد أن كانت مباحة في صدر الإسلام، فجاءت الأحكام والآيات تستلها من نفوسهم رويدًا رويدًا حتى استقر أمرها على المنع البات، وفي ذلك من حسن المعاملة وبديع الصنع ما لا يخفى على أحد سوى من أحرم نعمة العقل، فهذي ما هذي، وافترى ما افترى.
(٢) في ب: بعد.
(٣) أخرجه الحاكم (١/ ٤٧١)، والدارقطني (٢/ ٢٨٦) من حديث عائشة، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>