ويحتمل أن يقال: إِنه لا ينتهي في القوة إِلى ذلك؛ لأنه قد يراد غيره، وتكون المناسبة لشبهه به.
والحق أنه رتبة متوسطة دون السَّبب وفوق العموم المجرد.
ومثاله قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [سورة النساء: الآية ٥٨]؛ فإِن مناسبتها للآية الَّتي قبلها وهي قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [سورة النساء: الآية ٥١] أن ذلك إِشارة إِلى كعب بن الأشرف (١)، كان قدم "مكة" وشاهد قتلى "بدر" وحرَّض الكُفَّار على الأخذ بثأرهم، وغزو النبيّ ﷺ، فسألوه: من أهدى سبيلًا النبيّ ﷺ أو هم؟ فقال: أنتم؛ كَذِبًا منه وضلالة، فتلك الآية في حقه وحق من يشاركه في تلك المَقَالَةِ، وهم أهل كتاب يجدون في كتابهم نعت النبيّ ﷺ وصفته، وقد أُخِذَتْ عليهم المواثيق ألَّا يكتموا ذلك، وأن ينصروه، وكانت أمانةً لازمةً لهم، فلم يؤدّوها، وخانوا فيها، وذلك مناسب لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾ [سورة النساء: الآية ٥٨].
"الرابعة"
سأل - أبي ﵁ عن قولهم:"إِنّ السبب داخل قَطْعًا"، أنه قبل نزول الآية، والحكم إِنما يثبت من حين نزول الآية، فكيف يَنْعَطِفُ على ما مضى؟.
وقد أجمعت الأمة على أنّ أوس بن الصَّامت شمله الظهار، وأمثاله من الأسباب، وهذا إِشكال يجري في كلّ وارد على سبب.
(١) كعب بن الأشرف الطائي، من بني نبهان، شاعر جاهلي. كانت أمه من "بني النضير" فدان باليهودية. وكان سيدًا من أخواله. أدرك الإِسلام ولم يسلم، وأكثر من هجوم النبيّ ﷺ وأصحابه، وتحريض القبائل عليهم وايذائهم، والتشبيب بنسائهم، وخرج إِلى مكة بعد وقعة "بدر" فندب قتلى قريش فيها، وحض على الأخذ بثأرهم، وعاد إِلى المدينة. وأمر النبيّ ﷺ بقتله، فانطلق إِليه خمسة من الأنصار فقتلوه في ظاهر حصنه سنة ٣ هـ. وحملوا رأسه في مخلاة إِلى المدينة، ينظر: الروض الأنف ٢/ ١٢٣، وإِمتاع الأسماع ١/ ١٠٧، وابن الأثير ٢/ ٥٣، والطبري ٣/ ٢، والأعلام ٥/ ٢٢٥.