للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَدُّ العِلْمِ (١)

وَالْعِلْم، قِيلَ: لَا يُحَدُّ؛ فَقَالَ الإِمَامُ: لِعُسْرِهِ؛ وَقِيلَ: لأَنَّهُ ............

الشرح: "والعلم، قيل: لا يُحد"، ثم اختلف القائلون بأنه لا يُحَدّ (٢):


(١) العلم من قبيل المشترك اللفظي - والذين عنوا بالبحث فيه من العلماء وتصدوا له ماهية وتقسيمًا - طائفتان:
الأولى: طائفة الحكماء وأعني بهم الفلاسفة القدماء وكل من نحا نحوهم من فلاسفة المسلمين: كالفارابي، وابن سينا، وهم الذين تناولوا الأشاء بحثًا على قدر الطاقة البشرية، وجعلوا من ضمن ما وصلوا إليه من بحثهم قانونًا كليًا أسموه بـ"المنطق" يستعملونه للوصول إلى حقيقة من الحقائق، فهو عمدتهم وإليه مرجعهم، يرجعون إليه، ويقيسون به ما يشاءون أن يحصلوه ويثبتوه، فليس لهم من مرجع غيره ولا معول يعولون عليه سواه.
والثانية: طائفة المتكلمين - وهم العلماء الإسلاميون الذين اتخذوا القرآن الكريم وما ورد فيه من العقائد نصب أعينهم - وتصدوا لها تمحيصًا وإثباتًا على طريق البحث المنطقي.
فالطائفة الأولى: طائفة الحكماء: ترى أن العلم هو الصورة الذهنية، سواء أكانت هذه الصورة صورة شيء من غير حكم عليه بنفي أو إثبات - ويسمون هذا القسم تصورًا ساذجًا، أم كانت هذه الصورة لحكم، سواء أكان راجحًا أم مرجوحًا، طابق الواقع أم لم يطابق، ويسمون هذا القسم تصديقًا.
فالعلم عندهم: يشمل التصور والتصديق والظن والشك حتَّى الوهم والجهل المركب؛ لأنها كلها يصدق عليها أنها صورة شيء حاصلة في الذهن بعد أن لم تكن حاصلة.
وأما عند المتكلمين، فغيره عند الحكماء؛ إذ هو مختص عندهم بالتصديق اليقيني دون سائر الأقسام المذكورة.
(٢) جَرى الخلافُ بين العلماء في العِلْمِ المُطْلَقِ من حيث تصوره بالكنه، فذهب بعضهم إلى أنه ضروري فلا يُحد، بمعنى أنه لا يكتسب بالحد؛ لأن تصوره بالكنه بديهي؛ فلا يتوقف على نظر. وذهب آخرون إلى أنه نظري؛ وهؤلاء قد افترقوا فرقتين: فرقة منهم ترى أنه يعسر تحديده بعبارة جامعة للجنس والفصل - والفرقة الأخرى ترى أنه لا يعسر تحديده، بل ذكروا له جملة تعاريف، فظهر من هذا الذي ذكرناه أن في تصور ماهية العلم المطلق بالكنه. ثلاثة مذاهب:
الأول: للإمام الرازي قال: إن تصور ماهية العلم بالكنه ضروري لا يحتاج إلى نظر، بل يحصل بمجرد الالتفات إليه أو سماع لفظه، كصور أي شيء من البديهيات.
الثاني: إن تصور العلم بالكنه نظري، ولكن يعسر تحديده - أي بيان ماهيته بعبارة محررة جامعة للجنس والفصل، والقائل بذلك إمام الحرمين والغزالي. =

<<  <  ج: ص:  >  >>