الشرح:"وفاق من سيوجد لا يعتبر اتفاقًا"(١)، وليكن محل الاتفاق في عصر طرأ بعد انقراض المجمعين، فإن حدث قبل انقراضهم مجتهد لم يكن موجودًا اتَّجه تخريجه على اشتراط انقراض العصر، وكذا إن كان، ولكن كان عاميًّا، ويزداد الخلاف في اعتبار العامي.
(١) هذه المسألة في بيان الخلاف في أهل الإجماع، واختيار ما هو الحق منه، فنقول: قد علمت مما سلف أنه إنما امتنع الخطأ على أمتنا للدلالة السمعية الواردة بلفظ العموم المتناول ظاهرًا لكل مسلم كالمؤمنين والأمة، فعلى هذا لا عبرة بقول الخارج عن الملة؛ إذ لا يتناولهم لفظ المؤمنين والأمة في عرف شرعنا، وكذلك لا تتناولهم الأدلة العقلية لما مر، ولهذا لم يتعرض المصنّف لعدم اعتبارهم، وتعرض لعدم اعتبار كل الأمة، ولا بقول الكل إلى يوم القيامة وإن كان اللفظ ظاهرًا فيه؛ إذ لكل ظاهر مثله طرف ظاهر في النفس كالكل في مثالنا؛ لأن ما دل على الإجماع دل على وجوب التمسك به، ولا يمكن التمسك بقول الكل، أما قبل يوم القيامة فلعدم كمال المجمعين، وأما في يوم القيامة وبعده؛ فلأنه لا تكليف؛ فلا استدلال ولا تمسك، وكالصبي والمجنون والأجنة وإن كانوا من الأمة؛ لعدم تصور الوفاق والخلاف منهم مع علمنا بأن المراد من قوله ﵇: "لا تجتمع أمتي على الضلالة" من يتصور منه الوفاق والخلاف بعد الفهم، وطرف ظاهر في الإثبات، وهو كل مجتهد مقبول الفتوى، وأوساط متشابهة كالعوام المكلفين والفقيه الذي ليس بأصولي، وقد عبر عنه بـ"الفروعي"، والأصولي الذي ليس بفقيه، وقد عبر عنه بـ"الأصولي"، وكالمجتهد الذي لم يشتهر بالفتوى مثل واصل بن عطاء، والمجتهد المبتدع والفاسق، وكالناشيء من التابعين مثلًا إذا قارب رتبة الاجتهاد في عصر الصحابة، وقس عليه المقارب لتلك الرتبة في كل عصر، ويحتمل أن يكون المراد ممن سيوجد باقي الأمة إلى يوم القيامة، وهو الأظهر؛ لأنه المتفق على عدم اعتباره لا عدم اعتبار الناشئ، لأنه غير متفق عليه، إلا عند من لا يرى انقراض العصر شرطًا؛ لأن من يراه شرطًا لا يوافق الغير على عدم اعتباره مطلقًا. ينظر: الشيرازي ١٩٨ ب/ خ. والمستصفى ١/ ١٨٣، والمنخول ٣١٠، والمحصول ٢/ ١/ ٢٨٢، وشرح العضد ٢/ ٣٣، وشرح الكوكب المنير ٢/ ٢٢٥، والتبصرة ٣٧١، والبرهان ١/ ٦٨٥، وكشف الأسرار ٣/ ٢٣٧، وتيسير التحرير ٣/ ٢٢٣، وأصول السرخسي ١/ ٣١١، وفواتح الرحموت ٢/ ٢١٧، وإرشاد الفحول ٨٧، والتقرير والتحبير ٢/ ٨٠، والإحكام للآمدي ١/ ٢٠٤، وحاشية البناني ٢/ ١٧٧.