للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيها (١) .... وإلَيكَ الكلامَ عَلَيها بالتَّفْصيل:

أوَّلًا: الاتِّجاهُ النَّظَريُّ:

من المعلومِ أن الشافعيَّ هُوَ واضعُ أساس هذا الاتِّجاهِ النَّظريّ الَّذي لا يتأثَّر بفروع أيِّ مَذْهَب، حَيْث كانَتْ عنايتُه متَّجِهةً إلى تَحْقيقِ القَواعدِ من غَيْر اعتبارٍ مذهبيٍّ، بل كانَ أكبَرُ همِّه هو كيفيَّة إنتاجِ القواعدِ، سواءٌ خدَمَ ذلك مذهَبَه أمْ لا.

ويُعْتَبَر هذا الاتِّجاهُ النظريُّ هو أقْدمَ الاتَجاهاتِ الأُصُوليَّة لدراسة عِلْم الأُصُول.

ويُطْلَق على هذا الاتجاه: "أصُول الشَّافِعِيَّة" على أساس أن الإمام الشافعيَّ أوَّلُ من سلكه، ويُطْلَق عَلَيْه أيضًا: "طريقةُ المتكلِّمين"؛ لأن كثيرًا من علماء الكلامِ لهُمْ بحوث في الأصول؛ على هذا الاتجاه النظريِّ ولهذا الاتجاه النظريِّ خصائصُ تميَّزه وتوضَح ملامحَه؛ حيثُ لا يَعْتَمِد البحْثُ فيه على تعصُّبٍ مذهبيٍّ، وذلك لأنَّ القواعد الأصوليَّة لا تَخْضع فيه للفُرُوع المذهبيَّة، بل كانَتِ القواعدُ تُدْرس باعتبارِها حاكمةً على الفروع، وباعتبارِهَا دعامة الفِقه، وطريق الاستنباط.

ثمَّة مَيْزةٌ أُخْرى تَكْمُن في أنَّ الخلافاتِ الَّتيْ وقَعَتْ بَيْن الأصوليِّين على هذا الاتِّجاه كانَتْ تَسْتَنِدُ إلى دليلٍ مباشرٍ لا إلى فَرْعٍ من الفروعِ المذهبيَّة. والملاحظُ أن لهذا الاتجاهِ أنْصارًا مَتعدَّدين ومنْتَشِرِين في البلاد الإسلاميَّة، ويمكنُ أن نُجْمِلَهُم فيما يلي:

١ - الشَّافعِيَّةُ:

وللشَّافعيِّ أصحابٌ كثيرونَ قَبِلُوا اتِّجاهَه النظر كما في دراسَةِ القَواعِد الأصوليَّة.

ومن الملاحظِ أن أصحابَهُ البغدادِيِّين كَانُوا أَكْثَرَ اسْتِقلالًا مِنْ غيرهم لدرجةِ أن بَعْضَهم قَدْ وَصَلَ لِدَرَجَة الاجْتِهَادِ وتأْسِيسِ المَذَاهِب الفِقْهِيَّة. حيث نَجِدُ في "بغدادَ" الإمامَ أبا ثَوْرٍ الكلبيَّ البغداديَّ، والإمام أحمد بْن حَنْبل أحَدَ دَعَائِمِ الإسْلامِ الأرْبَعَة. ونجد في "مِصْرَ" الإمام أبا يَعْقُوبَ البُوَيْطِيَّ المِصْرِيِّ، والإمامَ أبا إبراهيم المُزَنِيَّ. وفي القَرْنِ الخامِسِ الهِجْريِّ ظَهَرَتْ كوكبةٌ من الشافِعِيِّين المُبَرِّزين الَذيق ألَّفوا كثيرًا من كُتُب الأصول على طَرِيقَةِ الشَّافعي، ومن أمثال هؤلاء العلماء الأجلَّاءِ القاضي عَبْد الجبَّار المعتزليُّ (٤١٥ هـ) صاحبُ "العمد" الذي شرَحَه أبو الحُسَيْن البَصْرِيُّ المعتزيُّ في كتابه "المُعْتَمَد". وأيضًا


(١) ينظر: أصول الفقه ١٧ - ١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>