للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٧٠٧ هـ، فقد حَدثَتْ فتنةٌ عَظيمَةٌ (١) بين الناصر قلاوُون وبيبرس الجاشنكير والنَّائبِ سلار، وانتهت بخَلعْ قلاوون في سنة ثمان وسبعمائة، وتولَّى المظفَر بيبرس الجاشنكير الثَّاني، وذلِك بعد لُجُوء النَّاصرِ قلاوونَ إلى "الكرك" وتنارلهِ عن السَّلطَنَة.

الثَّالِثَةُ: من سنة ٧٠٩ - ٧٤١ هـ:

ثارَ النَّاسُ على بيبرس الجاشنكير، مُطالِبينَ بالنَّاصر قلاوونَ، فكانَ لَهُم ما أرادُوا، وعادَ النَّاصرُ إلى سَلْطَنَتِه لِلْمَرَّة الثَّالِثة، ثمَّ قُبِضَ على بيبرس، فَحُمِل مُقيدًا إلى المَلِكِ النَّاصِرِ، فَسَجَنَهُ حَتَّى مات.

وقد اتَّسَمَتْ هذهِ الفَتْرَةُ الثَّالِثَةُ بِتَعلُّق النَّاس بِقَلاوُون، وتَمَسُّكِهِم به بسبب ما عانَوْه من كثرة الاضْطِرَاباتِ، على أن الملكَ النَّاصر أحْكَم قبضَتَه على زمامِ الأُمُور، وأزالَ الظُّلْم الواقِع، وبَلَغَتِ السلْطنةُ المملوكيَّة أوْجَ قوّتها في عَهْدِهِ، فكانَتْ دِرْع العالَمِ الإسْلاميِّ آنذاك.

ولم يَزلِ الملكُ النَّاصر قائِمًا على سرير مُلْكِه إلى أنْ وافته منيَّته، وذلِك سنة إحْدى وأربعين وسبعمائة، وكانَتْ مدَّته الأولى والثَّانية نَحْوًا من ثلاثٍ وأربعين سنة (٢).

وبِمَوْت النَّاصِر قلاوُونَ دخَلَتِ الدَّولةُ المملوكيَّة مرحلةً جديدةً على النقيض مما سبق، إذْ إن المدَّة السابقة - ٦٤٨ - ٧٤١ هـ - هي الفترة الذهبية لدولة المماليك، وَأَمَّا فترة أولادِ النَّاصر قلاوُونَ وأحفاده وهي ما بين سنة ٧٤١ - ٧٨٤ هـ فقد كانَتْ مضطرمة بالصراعِ على السُّلْطة، ولذلك فقد تولَّى بعد النَّاصرِ سبعةُ سلاطينَ مِنْ أبنائه، يتولَّى هذا ويُعْزَل هذا، وهكَذَا دَوَالَيْكَ.

ولقد رُزِيءَ العالمُ الإسلاميُّ - على كثرة اضطراباته وأحداثه الجسَام - بحدثٍ جللٍ، زاد من همومه وأشجانه، ألا وهو "الحملة الصليبيَّة الكبْرَى" على مدينة "الإسكندرية"، وذلك سنة ٧٦٧ هـ - ١٣٦٥ م، حيث قام بها ملكُ قُبْرس بُطْرُس الأوَّلُ لوزجنان بَعْد أن مهَّد لحملته تِلْك برحلة واسعةٍ يستنهِضُ فيها عزائم الأوروبيين، ويشحنهم ضد الإسلام


(١) تنظر تفاصيل هذه الفتنة في: بدائع الزهور ١/ ١/ ٤٢٠ - ٤٢١، والنجوم الزاهرة ٨/ ١٧٦ وما بعدها، ود. سعيد عبد الفتاح عاشور: العصر المماليكي في مصر والشام ص ١١٧، وما بعدها.
(٢) نزهة الأساطين ص ٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>