للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

وإن قلنا: بيان للمراد اتَّجَهَ أن يقال: الخطاب - حينئذٍ - وإن دلَّ على ثبوت الأزمنة كلّها ظاهرًا، لكنه غير مراد من اللَّفظ، فلم يفض نسخ الخبر حينئذٍ إلى كذب.

ومَدَار الخلاف على أنه: هل يفضى إلى الكذب، فيمتنع، أو لا فلا؟

"فوائد"

الأولى: قد يقول من يجوِّز نسخ المستقبل دون الماضي: إن الكذب لا يتعلق بالمستقبل.

فإن قلت: وهل يقول أحد: إن الكذب يختصّ بالماضي؟

قلت: نعم، وهو المفهوم عن الشَّافعي ومن أجله قال: إنه لا يجب الوفاء بالوعد، وضعف سؤال من قال لصاحبه: غدًا أعطيك درهمًا، ثم لم يفعل كان كاذبًا؛ والكذب حرام، فكيف لا يوجبون الوفاء بالوعد؟ فقال: إنه والحالة هذه حاكم على أمر مستقبل، ولا كذب فيه، والوعد إنشاء لا خبر، وإنما يسمى من لم يَفِ بالوعد مخلفًا لا كاذبًا.

ولذلك قال في صفة المُنَافق: "إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وإذَا وَعَدَ أَخلَفَ".

فسمَّاه: مخلفًا لا كاذبًا، ولو كان الإخلاف كذبًا دخل تحت عموم "إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ".

وقد صرح أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (١) في كتاب "الأذكار" بأن الإخبار بضد الصدق إذا كان مستقبلًا يقال فيه: أخلف، ولا يقال: كذب.

قلت: وقد يقول القائل إذا لم يدخله الكذب: لا يكون خبرًا؛ لأن الخبر ما يقبل الصِّدق والكذب، وإذا لم يكن خبرًا خرجنا عن مسألة نسخ الأخبار.


(١) عبد الرحمن بن إسحاق، النهاوندي، الزجاجي، أبو القاسم، ولد في "نهاوند". شيخ العربية في عصره، نشأ في "بغداد" وسكن "دمشق". نسبته إلى أبي إسحاق الزجاج. من كتبه: "الجمل الكبرى" و"الإيضاح في علل النحو "و"الزاهر" و"الأمالي" و"مجالس العلماء" وغيرها. - توفي بـ"طبرية" (من بلاد الشام) سنة ٣٣٧ هـ. ينظر: وفيات الأعيان ١/ ٢٧٨، وبغية الوعاة (٢٩٧)، والأعلام ٣/ ٢٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>