بالقياس، وإن ثبت عن بعض الصَّحابة، لكن لا يلزمُ منه الإجْماع، وإنَّما يلزم لو تحقق أن سكوتهم كان عَنْ رضًا لِمَ لا يجوز أنْ يَكُونَ سكوتهم عن خَوْفٍ.
وفي هذا يقول النَّظَامُ: إنه لم يعمل به إلا عددٌ قليل من الصَّحابة ولما كان مثل أمير المؤمنين عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ ﵁ وعثمان وعلي ﵄ سلاطين خاف الآخرون من مخالفتهم، لأنَّ العادَةَ جَرَتْ بمعاداة من خالف الأمِيرَ أو السُّلْطَانَ واتَّخَذَ قَوْلَهُ مذهبًا لنفسه.
وجوابُنَا على ذلك أن تَكَرُّرَ السُّكُوتِ في وقائع كثيرة لا تحصى لا يكون عادةً إلا عن رِضَاء، لا سِيَّمَا فيما هو أصْلٌ من أصولِ الدِّينِ، فهذا السُّكُوتُ سِرًّا وعلانيَّة من كُلِّ أحَدٍ في كل واقعة والتزامهم أحكام الخلفاء الراشدين يفيد علمًا ضروريًّا بالرِّضَاءِ والوِفَاقِ، وتوهم نسبة الخوف إلى من يخالِفُهُم كَذِب وبُهْتَان، فإنَّ مِنْ أخلاقهم الكريمَةِ المُتَوَاتِرَةِ عنهم أنَّهُم كَانُوا لا يخافون في أمر ديني من أحد خُصُوصًا إذا بَقِيَ معمولًا به مُدَّةً طويلة، ونسبة المعاداة إلى الخلفاء الرَّاشِدِينَ لمن خالفهم واتَّخذ قولًا مذهبًا حَمَاقَة عظيمة، وكيف يُعْقَلُ أن الصَّحابة - رضوان الله عليهم - خُصُوصًا الخُلَفاء الرَّاشِدِينَ أنَّهُم يُعَادُونَ مَنْ خَالَفَهُمْ فِيما اتَّخَذُوه مَذْهَبًا فَإِنَّهُم كانُوا يُنِيبُونَ لِلْحَقِّ وَيَرْجعُونَ إلى الصَّوَابِ، ومن تتبع الآثار والتواريخ أدرك بلا شك أن كثيرًا مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃ كانوا يخالفون قَوْلَ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ إذا ظَهَرَ لَهم شَيءٌ خلاف ما يقولون، فلا يُبَالُونَ بقول الحق، ولا يخافون في الله لَوْمَةَ لائم، وإذا لم يكن خوف في المخالفة في وقائع متعددة، فأيُّ خوف لهم في واقعة واحدة. ونختم هذا بقول المُزَنيِّ:"إنَّ الفقهاءَ من عصر رسول الله ﷺ إلى يَوْمِنَا وهلم جرا استعملوا المقاييس في الفقه في الأحكام، قال: وأجْمَعُوا على أن نظيرَ الحقِّ حق، ونظير الباطل بَاطِلٌ، فلا يجوز لأحد إنْكَارُ القياس؛ لأنه التشبيهُ بالأُمُورِ والتمثيلُ عليها".
النَّسْخُ
لا يخفى على كل مُتَأَمِّلٍ أن القوانين الَّتي وضعها البَشَرُ لا تفي بحاجيات الإنسان المُلِحَّةِ والكامِنَةِ فِي نَفْسِهِ، ومن تَفَحَّصَ هذه القوانين، أدْرَكَ - جيدًا - عَدَمَ صلاحيتها لطهارَةِ السَّرائِرِ، والتخلُّقِ بالأخلاقِ الحميدة، والمُثُل الطَّاهِرَةِ؛ كحُبِّ الخَيْرِ، ومساعدةِ