للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان لاِنْتِشَارِ العِلْم في هذا العَصْر وإِقبالِ السَّلاطين ومَنْ دُونَهم عَلَيْه وعَلَى أهْله ملامحُ ومعالم، مِنْهَا:

المَدَارِسُ والمَكْتَباتُ:

إِنَّ أولَ ظُهُورٍ للمدارسِ كانَ في آخِرِ القَرْن الرَّابع الهجريِّ، حيث يتبرع بعض من أوتوا يسارًا وثروة ثم حُبًّا لِلْعِلْم وأهْلِه - ببناء مدْرَسةٍ تدرس فيها أحكامُ الدِّينِ وشرائِعُه، وعُلُوم اللُّغة وغيرها.

وقد حاز تاريخُ بني أيُّوب عَلَى نصيبٍ وافرٍ من إِنشاء المَدَارِس، واشْتُهِر عن صلاح الدِّين أنَّه أكْثَر من إِقامةِ المدارِسِ بِمصْر والشَّام، ووضع لها نظمًا ثابتةً مقرَّرة، وكان يحْضُر بَعْضَ الدُّروس، بل إِنَّه كان يتَّجه إِلى الاسْتِماع إِلى الحَدِيثِ ما اتَّسَع لَهُ الوَقْتُ فِي ذلكَ.

وجاءَ بَعْد ذلكَ المماليك، فسارُوا على سنَّة الأيُّوبيِّين وحبَسُوا الأحباسَ عَلَيْها، وأظلُّوها برعايتهم (١).

وقد كان لكلِّ عِلْمٍ أحيانًا مدرسةٌ، فمدرسةٌ للحديثِ وأخْرى للفِقْه، وهكذا.

ومِنْ أهم المدارس الَّتِي أُنْشِئَتْ في زَمَنِ المماليك:

١ - المدرسَةُ الظَّاهِرِيَّةُ:

وتُنْسَب إِلى مَنْ وَضَعَ أساسَها وبنَاها، وهو الظاهرُ بيبرس البندقداريُّ، وقد ابتدأ فيها سنة ٦٦٠ هـ، وتم بناؤُها في سنة ٦٦٢ هـ، وجعَل بيبرسُ لا يَسْتَعْمِل فيها أحدًا بغير أُجْرَة، ولا يَنْقُص من أجرته شيئًا، وضمَّ إِليها خزانةً تشتمل على أمهات الكتب في سائر العُلُوم، وبنى بجانبها مَكْتَبًا لتَعْلِيم أيْتَامِ المُسْلِمِين، وأجْرَى لهم الجراياتِ والكُسْوَةَ (٢).

وقد رتَّب فيها لتدريس الشَّافعيَّة: تقيَّ بن رزينٍ الحمويَّ، وهو قاضي القضاة محمد بن الحسين بن رزين، العامريُّ، الحمويُّ، ولد بحماة سنة ٦٠٣ هـ، وكان عالمًا بارعًا في التَّفْسِير والفِقْهِ، مشاركًا في عُلُومِ كثيرةٍ، رحَل إِلى مصْر، فدرَسَ بالظاهرية،


(١) أبو زهرة: "ابن تيمية" ص ١٥٨.
(٢) خطط المقريزي ٣/ ٣٤٠ - ٣٤٢، الخطط التوفيقية ٦/ ٢٢، النعيمي: الدارس في تاريخ المدارس ١/ ٢٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>