للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَبْحَثٌ فِي الاسْتِحْسَانِ] (١)

الاِسْتِحْسَانُ: قَالَ بِهِ الْحَنَفِيةُ وَالْحَنَابِلَة، وَأَنْكرَهُ غَيْرُهُمْ حَتَّى قَالَ الشَّافِعِيُّ : مَنِ اسْتَحْسَنَ فَقَدْ شَرَّعَ، وَلا يَتَحَقَّقُ اسْتِحْسَانٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقِيلَ: دَلِيلٌ يَنْقدِحُ فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ تَعْسُرُ عِبَارَتُهُ عَنْهُ.

قُلْنَا: إنْ شَكَّ فِيهِ فَمَرْدُودٌ، وَإنْ تَحَقَّقَ، فَمَعْمُولٌ بِهِ اتِّفَاقًا.

الشرح: "الاستسحان" (٢) قال به الحنفية، والحنابلة، وأنكره غيرهم حتى قال


(١) سقط في أ، ت.
(٢) جرى لفظ الاستحسان في عبارات بعض الأئمة على وجه يتوهم منه أن الاستحسان أصل من الأصول التي يرجع إليها في استنباط الأحكام، وتعرض له علماء الأصول عند بحث الأدلة، ونسبوا الأخذ به إلى بعض الأئمة، ونقلوا إنكاره عن آخرين.
واستند الحنفية إلى الاستحسان في تقرير كثير من الأحكام، ويعارضون به القياس، فيقولون في بعض الأحكام: هذا ما يقتضيه الاستحسان، وذاك ما يقتضيه القياس.
وعبر الإمام الشافعي بالاستحسان في أحكام بعض الحوادث، فقال: أستحسن أن تكون المتعة ثلاثين، وقال: أستحسن أن يؤجل الشفيع ثلاثًا.
وأنكر قوم أن يكون الاستحسان دليلًا شرعيًّا، وشنعوا على القائلين به؛ ظنًّا منهم أن استحسان هؤلاء الأئمة من قبيل الرجوع إلى الرأي دون رعاية دليل شرعي ثابت، والرجوع إلى الرأي المحض في تقرير الأحكام الشرعية لا يقول به عامي مسلم فضلًا عن إمام بلغ رتبة الاجتهاد أو الترجيح. ومن هنا تصدي علماء الأصول من المالكية والحنفية لتفسير الاستحسان الوارد في عبارات أئمتهم، وبينوا أنه عائد إلى أدلة متفق عليها، أو أدلة معروفة في مذهب المعبر به، وحملوا قول الإمام الشافعي: "من استحسن فقد شرع" على معنى الاستحسان الذي لا يقوم على رعاية دليل شرعي، وكذلك الأثر الذي يسوقه بعض المحتجين لصحة القول =

<<  <  ج: ص:  >  >>