للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْألتَانِ

عَلَى التَّنَزُّلِ، الْأُولَى: ...........................................................

وأما البيع على البيع فهو يدعو أخاه إلى فسخ (١) البيع ليبيعه (٢) خيرًا منه بأرخص، ففيه جَلْب منفعةٍ له من حيث ترويج سِلْعَةِ للمشتري من جهة شراء الأجود بأرخص، فهاتان مصلحتان لم تعارضهما إلا مفسدة محتملة ليست متيقنة (٣)، وذلك لجواز أن البائع الأول يبيع سلعته إذا فسخ البيع من مشترٍ آخر بذلك الثمن أو أزيد، فليس يلزم من تحريم جَلْبِ منفعة واحد يلزم عنها وقوع مفسدة، وهو الواقع في سورة النَّجش - تحريم جلب منفعة اثنين لمجرد ظن ترتب مفسدةٍ [عليها] (٤)، وهو الواقع في سورة البيع على البيع يدرك تحريمه لما ذكرناه بخلاف النَّجش، أو أنه وإن أدركه فليس كالأول؛ إذ هو فيه متوقّف على مزيد (٥) فكر ونظر.

"مسألتان"

الشرح: جرت عادة أئمتنا بذكرهما بعد إبطال قاعدةِ الحُسْن والقبح "على" سبيل "التنزل"، وتسليم القاعدة، وأنه لا يلزم من تسليمها صحَّة دعوى الخصوم في هذين الفرعين مع أن الحامل لهم على ارتكاب العظيمة في الدين الذهاب إلى هذه القاعدة إنما هو التوصُّل إلى إثبات ما ادعوه في هذين الفرعين.

وبهذا يظهر لك أن مسألة - شكر المنعم - فرع من فروع مسألة التحسين والتقبيح، ولذلك يُعبر عنها طوائف بلفظ: الفرع (٦).


(١) الفسخ: شرعًا: رفع العقد على وصف كان قبله بلا زيادة ونقصان. ينظر قواعد الفقه (٤١٢).
(٢) في ت: ليتيعه.
(٣) في ت: متعينه.
(٤) سقط في ت.
(٥) في ج: دريد.
(٦) لما بطل الحسن والقبح العقلي - لزم منه امتناع وجوب شكر المنعم عقلًا، وامتناع حكم عقلي، وهما قبل ورود الشرع مبنيان على ذلك غير أن عادة الأصوليين جارية بفرض الكلام في هاتين المسألتين؛ إظهارًا لما يختص بكل واحدة من الأشكال والمناقضة؛ أو إظهارًا لسقوط كلام المعتزلة في هاتين المسألتين بعد تسليم الحسن والقبح العقليين على ما هو مذكور في الكتب المشهورة، فلذلك قال: "مسألتان على التنزل" أي على الافتراض أو على التبرك على ما في بعض النسخ اقتضاء للمشايخ.
واعلم أن الشكر عند الخصوم ليس عبارة عن قول القائل: "الحمد لله" أو "الشكر لله" وأمثالهما على ما يسبق إلى الأوهام؛ فإن العقل لا يوجب النطق بلفظ دون آخر، ولا على معرفة الله تعالى على ما يُظَنُّ؛ لأن الشكر هو فرع المعرفة، بل هو عبارة عن صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من السمع=

<<  <  ج: ص:  >  >>