إِضَاءَةٌ عَلَى:"القَرْنِ الثَّامِنِ الهِجْرِيِّ" الذي عاش فيه الشارح (ابنُ السُّبْكِيِّ)
دِيبَاجَةٌ:
مِمَّا لا شكَّ فِيه عند جميع النَّاس أن الإنْسَانَ خَلَقَهُ الله سُبْحَانَهُ مَدَنيًّا بِطَبْعه، وحبَّب إِلَيْه الأُلْفَة والجماعَةَ، فَلا يُرى أحَدٌ يَنزَوِي عن جماعة النَّاس إلَّا لِعِلَّة شدِيدَة دَفَعَتْهُ إلَى إتيانِ غَيْر مَا جَبَلَ اللهُ عَلَيْه بَنِي آدَم.
بَلَ إنَّهُ - سُبْحَانَهُ - جَعَلَ النَّاسَ طبَقَاتٍ متعددةً، وكلُّها لا تَخْلُو عن صفة التأثير والتأثُّر، فهذه سمةُ الحياةِ:"طبيبٌ، ومريضٌ"، "حطَّاب ونجَّار"، "بَائِعٌ ومشترٍ"، إلخ …
إن كلَّ حيٍّ في الوجود يتأثَّرُ بالجو الذي يستنشقُ مِنْه هواءه، وبالبيئة الَّتى يَنْمُو بين أحْضَانِهَا، فإن البيئة تؤثِّر في النَّفْسِ الإنسانيَّةِ تأثيرًا بالغًا، دونَهُ تأثيرُ أيِّ مؤثِّر آخَر.
وَعَلَيْه، فإنَّ العَصْر الَّذِي يَحْيَى فِيهِ عَالِمٌ من العلماء لا شَكَّ أن لَهُ تأثيرًا فعَّالًا عَلَيْه، إلَّا أن التأثير يختلفُ من شخْصٍ لآخَر.
"وهكَذَا، فَإنَّه لَم يخرجْ عن أحكام البيئاتِ الضالَّة - إلَّا الأنبياءُ والرُّسُل - عليهم الصَّلاة والسلام - وكذلك المصلِحُون والمجدِّدون، الذين ثارُوا على ما توارثه عصْرُهم من عاداتٍ وتقاليد لَيْسَتْ من الحقِّ في شيءٍ (١).