للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإكْرامِهِ لَهُمْ - بَعْدما كادَتْ أن تنقَطِعَ عَنْهُمُ الخِلافَة، لَكَفَى" (١).

وبالرغْم مِمَّا حلَّ بالتَّتارِ مِن هَزِيمةٍ عَلَى يَدِ قُطُز، إلَّا أنَّهُم كَانُوا عَنِيدِينَ، فَقَدْ لَمُّوا شتاتَهُمْ مرَّةً أخرى، وأعادوا غاراتهم على العالم الإسلاميِّ مراتٍ عديدةً، ولكنَّ سلاطينَ المماليكِ كانُوا لَهُم بالمِرْصَاد.

هذا، وقَدْ تعرَّض العالمُ الإسلاميُّ - إلى جانب الغَزْوِ التَّتريِّ - إلى خطَرٍ لا يقلُّ ضراوةً عن خطر المغول، وهو ما عُرِف بالحملات الصَّليبيَّة، والَّتي راحَ ضحيَّتها كثيرٌ جدًّا مِن الأَرْواح، حيثُ استمَرَّت قرنَيْن كامِلَيْن من الزَّمانِ من ٤٩٠ - ٦٩٠ هـ، وحَيْثُ إِنَّ الفَتْرة الَّتي عاشَها التَّاجُ السبكيُّ من ٧٧١ هـ - ٨٢٧ هـ هي الَّتي تهمنا هنا، فسنقفز بَعْض الأحْداثِ كي لا يَتَسِعَ الأمْرُ عَلَيْنا، ونضيعَ بَين زوايا كُتُب التَّاريخ:

ومِنْ ثَمَّ فإنَّ فتْرَتنا هذه تحتلُّ من التَّاريخِ ما يقابِلُ جزءًا من الفترة الَّتي حَكَم فِيهَا السُّلْطانُ النَّاصر محمَّد بن قلاوُون: ٦٨٤ - ٧٤١ هـ ثم يبنى لدينا ثلاثونَ عامًا أخرى نتحدَّث عن أحداثها السياسية أيضًا.

أما النَّاصرُ قلاوونُ فهو: محمَّدُ بْنُ قلاوون الملكُ الناصر، ناصِرُ الدِّينِ، أبُو المعالي بنُ المنصورِ، نَعَته ابن شاهين الملطيُّ بقوله: "صاحبُ العمائِرِ الهائِلَةِ، والآثارِ الطَّائِلَةِ، من ذلِك: القصْرُ الأبلقُ بالقلْعة، والجامعُ بها، والإيوانُ المعظَّم وغير ذلكَ من أبنيةٍ" (٢).

وهو السُّلطانُ التَّاسِعُ من ملوك التُّرْك المماليكِ بالدِّيار المصْرِيَّة. ولأن هذا العصر - الَّذي نتحدَّث عنه - كان يموجُ بالاضطراباتِ وكثرةِ الفِتَن، فقد رأينا صراعًا شديدًا على السُّلْطة بين أمراء المماليك.

ولا أدلَّ على ما نقولُ إلا ما حَدَثَ من سَلْطَنة النَّاصرِ محمَّدِ بْنِ قَلاوُونَ، فَقَدْ تَوَلَّى السَّلْطَنَة ثلاث مرَّاتٍ، كَانَتْ كالآتي:

[الأولى: من سنة ٦٩٣ - ٦٩٤ هـ]

وقد كان الناصرُ وقتها صغيرَ السِّنِّ، فكان في التَّاسعة من عُمُره، وهذه سنٌّ لا يُسْتَطاعُ فِيها أن تتحَمَّل إدارةُ دولةٍ واسعة الأطراف؛ فَضْلًا عن أن يفضَّ النزاعاتِ والاضْطِراباتِ


(١) بدائع الزهور: ١/ ١/ ٣٤١.
(٢) نزهة السلاطين ص ٨٤، وينظر: ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة ٨/ ٤١، بدائع الزهور ١/ ١/ ٣٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>