والأمثلة كثيرة، فانظر فيما هذا شأنه، واعرف تاريخه، ثم انظر هل أنت متطلب نسخًا، فلا يكون إِلا بقاطع، أو تخصيصًا فيكتفي بالظنون.
وبهذا يعلم أن لمعرفة التَّوَاريخ فائدة عظيمة، وأنه يترتَّب عليه من الأحكام الشرعية ما يكثر تَعْدَادُهُ.
«مسألة»
الشرح:"المختار على المنع" من تأخير البيان إِلى وقت الحاجة "جواز تأخير إِسماع المخصص الموجود"، وهو رأى أبي هاشم، والنَّظَّام، وأبي الحسين.
وقال الجُبّائي وأبو الهُذَيل (١): يمتنع في الدليل المخصص السّمعي، دون العقلي؛ فإِن الكلّ متفقون على جواز أن يُسمِع الله المكلف العلم من غير أن يعلمه أن في العَقْل ما يخصّصه.
ولك نصب "الموجود" في كلام المصنّف على أنه صفة لمفعول ثانٍ للإِسماع، أي: إِسماع الله الشيء المخصص المكلف الموجود، ويكون في ذكر الموجود فائدتان:
إِحداهما: أن مَنْ ليس موجودًا حال نزول المخصص لا يشترط إِسماعه؛ لعدم إِمكانه.
والثانية: أن القائل بإِسماع المخصص يشترط إِسماعه الموجودين كلهم، ولا يكتفي بإِسماع البعض، ولولا ذلك لما صحّ الاستدلال أن فاطمة لم تسمع مخصص: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ﴾ [سورة النساء: الآية ١١]﵂.
والأكثر:"سُنُّوا بِهِمْ سُنَّةَ أَهْلِ الكِتَابِ"؛ فإِن الخصم كان يقول: نحن لم نشترط إِلا سَمَاع البعض، وقد سمع غير فاطمة ﵂، وغير الأكثر.
(١) محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، مولى عبد القيس، أبو الهُذَيْل العَلَّاف. وُلد في "البصرة" سنة ١٣٥ هـ. وهو من أئمة المعتزلة، اشتهر بعلم الكلام. قال المأمون: أطل أبو الهذيل على الكلام كإِطلال الغمام على الأنام. وكان حسن الجدل، قوي الحجة، سريع الخاطر. كف بصره في آخر عمره. له كتب كثيرة منها: "ميلاس" على اسم مجوسي أسلم على يده. توفي بـ"سامرا" سنة ٢٣٥ هـ. ينظر: وفيات الأعيان ١/ ٤٨٠، ولسان الميزان ٥/ ٤١٣، وتاريخ بغداد ٣/ ٣٦٦، والأعلام ٧/ ١٣١.