النسبة بين الأصول والعُلُوم الأُخْرى التباين، أما النِّسبة بين الأصول والفقه، فمما لا شكَّ فيه أن النِّسْبَة بينهما وثيقةٌ جدًّا، والصِّلَة بينهما تكادُ تكون متطابقةً، أو كما قيل: عِلْمُ أُصُولِ الفِقْهِ بمجرَّده كالمَيْلَق الذي يُخْتَبَر به جَيِّد الذَّهَب من رَدِيئهِ، والفِقْهُ كالذَّهَب.
وعلى هذا؛ فالفقيهُ الَّذي لا أُصُولَ عِنْده كَمَنْ يَكْسِب المال، ولا يَدْرِي مِنْ أين اكْتَسَبه؟ ولا يَدْرِي كَيْف يَدَّخِره، أو يُنْفِقُه؟.
كما أنَّ الأصوليَّ الَّذي لا حَظَّ له من الفِقْه، كَمَنْ يَمْتَلِك مَيْلَقًا ولا ذَهَبَ عِنْدَه، فهو لا يَجِدُ ما يَخْتَبِرُه على مَيْلَقِه.
خلاصةُ القَوْل: إنَّ الأصولَ والفِقْه صَدِيقَانِ مُقْتَرِنان دائمًا لا يُفَارِق أحدُهُما صاحِبَه طَرْفَةَ عَيْنٍ بَلْ إن اقترانهما أمْرٌ ضروريٌّ لاستنباط الأحْكَام والقَوَاعِد على وَجْهها الصَّحيح.
فإذن العلاقة بَيْن الأصولِ والفروعِ واضحةٌ جليَّةٌ لا تخفى على ذِي نَظَير ثاقبٍ متمرسٍ على أحكام الشَّريعةِ الإسلاميةِ، فما مِنْ قَاعِدَةٍ من قواعدِ الشَّرِيعةِ الإسْلاميَّة إلَّا وينْدَرجُ تَحْتَها أحكامٌ وفُروعٌ كثيرةٌ.
ومن خلال هذا الإطَارِ سَلَكَ الشَّافعيُّ طريقَهُ في تأْليف "الرِّسَالة"، وغيرها من كتبه من عِلْم الأُصُول - لوضع المناهج التي سلكها لاستنباط الفُروع من خلال القَوَاعد.
قال الشَّافعيُّ: "ولَيْسَ لأَحَدٍ أنْ يَخْرُج مِنْ معنى كتَابِ اللهِ ﷿ ثم سُنَّة رَسُولِ الله ﷺ، ولا مِنْ وَاحدِ مِنْهُما في أصْلٍ ولا فَرْعٍ، وإنَّما فرَّقْنا بين العَالِمِينَ والجَاهِلِينَ