للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالُوا: إِذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ؛ فَلا بُدَّ مِنْ حُجَّةٍ نَقْلِيَّةٍ.

وَأُجِيبَ: بِأنَّ ذَلِكَ يَلْزَمُ الصَّحَابِيَّ، وَيَجْرِي فِي التَّابِعِينَ مَعَ غَيْرِهِمْ.

والذاهبون إلى أنه حُجة إذا خالف القياس "قالوا: إذا خالف القياس، فلا بد من حجة نقلية" حملته على ذلك.

أما أنه لا بد له من حجة فلئلا يرتكب الحرام، والظن به خلافه.

وأما كونها نقلية؛ فلأنها لو لم تكن قياسية، والغرض خلافه، وإذا كان كذلك فتقبل، وتكون الحجة - بالحقيقة - تلك.

وأما الموافقة للقياس، فقد تكون عن القياس، فلا حجة.

"وأجيب: بأن ذلك يلزم الصَّحَابي"، ولو صح، فيجب عليه تقليد صحابي آخر، "ويجري في التابعين مع غيرهم"؛ إذ لا بد لمخالفته من دليل نقلي، وكلاهما خلاف الإجماع.

"تَنْبِيهٌ"

عرفت أن الصحيح عندنا أن قول الصَّحابي لا يحتج به.

فإن قلت: كيف نظر الشافعي مواضع اختلاف الصحابة في الفرائض، واختار مذهب زيد حتى يردد قوله حيث ترددت الرواية عن زيد؟.

قلت: قال علماؤنا: لم يقلد الشافعي زيدًا، ولكن رَجَحَ عنده مذهبه من وجهين.

قال الرافعيُّ: وقد يعترض فيقال: للكلام مجال في أن الوجهين هل يُوجبان الرُّجحان، لكن بتقدير التسليم، فالأخذ بما رجح عنده إن لم يكن بناء على الدليل في كل مسألة لم يخرج عن كونه تقليدًا؛ كالمقلد يأخذ بقول من رجح عنده من المجتهدين، وإن كان بناء على الدليل فهو اجتهاد وافق اجتهادًا، فلا معنى للقول بأنه اختار مذهب زيد، ويجاب عنه بأن الشافعي لم يخل مسألة عن احتجاج واستشهاد، ولكنه استأنس بمارجح عنده من مذهب زيد، وربما ترك به القياس الجلي، وعضد الخفي كقول الواحد من الصحابة إذا انتشر ولم يعرف له مخالف، فباعتبار الاستئناس قيل: إنه أخذ بمذهب زيد، وباعتبار الاحتجاج قيل: إنه لم يقلد.

قلت: ومال ابن الرفعة إلى أن الشافعي قلَّد زيدًا. قال أبي : وليس بجيد،

<<  <  ج: ص:  >  >>