فإِن قلت: الصَّلاة حقيقة: الدعاء، وإِطلاقها على المغفرة أو الرحمة مجاز، وعلى الاستغفار حقيقة، فالموجود في الآية استعمال اللَّفظ في حقيقته ومجازه لا في حقيقته.
قلت: إِذا صَحّ استعماله في حقيقته ومجازه صَحّ في حقيقته بطريقٍ أولى؛ فإِنّ كلّ ومن جوّز الأول جوّز الثَّاني، ولا عكس.
"فوائد"
الأولى: الخلاف في استعمال اللَّفظ في مجازيه مثل أن يقول: والله لا أشتري، ويريد السّوم وشراء الوكيل، كالخلاف في استعماله في حقيقته ومجازه، وفي حقيقته.
والقاضي أبو بكر يجوز استعمال اللَّفظ في حقيقته دون حقيقة ومجاز، كما أسلفناه، ولا يصح له فرق.
والشَّافعي ﵀ جرى على مِنْوَالٍ واحد، فجوّز الكلّ، وحمله عند الإِطلاق على الكلّ.
قال إِمام الحرمين: وهذا يعني حمل اللَّفظ على حقيقته ومجازه، كحمله على حقيقته، وظاهر في اختيار الشَّافعي، فإِنه قال في معارضة له جرت في قوله تعالى: ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [سورة النساء: الآية ٤٣]. وقيل له: قد يراد بالمُلامسة المُوَاقعة، قال: فهي محمولة على الجسّ باليد حقيقة، وعلى الوقاع مجازًا.
قلت: وقد نصّ في "الأم" عند الكلام فيما إِذا عقد لرجلين على امرأة، ولم يعلم السَّابق منهما على حمل اللَّفظ على حقيقته ومجازه، كما نقل ابن الرِّفْعَةِ.
"الثَّانية"
الخلاف في الحمل على الحقيقة والمجاز إِنما هو فيما إِذا ظهر قَصْد المَجَاز بقرينة مع السكوت عن الحقيقة، أو قصدهما معًا.
أما إِذا قصد الحقيقة فقط، فالحمل عليها فقط بلا نزاع، أو المجاز فقط اختص به بلا نزاع.
كذا كان أبي ﵀ يقول، وكنت أسمعه يقول: إِذا لم يظهر قَصْد، فلا مدخل للحمل على المَجَازِ؛ فإِنَّ اللَّفظ إِنما يحمل على مجازه بقرينة، ويؤيد هذا أمران: