. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فإِن قلت: كيف حُذِفَ الخبر والفعل؟
قلت: "حُذِفَ لدلالة ما يقارنه" عليه، وهو قوله: "يسجد له من في السماوات" في الأولى، و"ملائكته يصلون" في الثَّانية.
"أو" نجيب "بأنه" أي: إِطلاق السجود على هذه الأشياء، والصلاة على الصلاة الرب - تعالى - وملائكته.
وإِن ثبت استعماله، فلا يتعيّن كونه حقيقة، بل هو "مجاز" وإِن كان خلاف الأصل "بما ذكرناه" من الدليل، فهذه ثلاثة أجوبة.
ولقائل أن يقول على الأول: السجود بمعنى الخضوع لا يختصّ بكثير من الناس، بل يشملهم؛ إِذ الكُلّ خاضعون بلسان الحال.
وأيضًا: فالمتبادر إِلى الفَهْمِ من سجود الناس وضع الجَبْهَةِ.
وأيضًا: لو كان بمعنى الخضوع، لزم التكرار في قوله: ﴿وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ﴾ [سورة الحج: الآية ١٨] لدخولهم في ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ﴾ وأيضًا: فهو تعالى قال: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ [سورة الحج: الآية ١٨]، والمرئي حقيقة إِنما هو وَضْع الجبهة.
لا يقال: فما تصنعون في الذين لا يصحّ منهم وضع الجَبْهة؟؛ لأنا نقول: رؤية أولئك قلبية معنوية، لعدم تأتيِّ ذلك منهم، ولا كذلك كثير من النَّاس.
الثَّاني: وضع الجَبْهَةِ منهم.
فإِن حملنا المجاز لذلك في الرؤية بالنسبة إِلى أولئك، فما الدَّاعي إِليه في كثير من النَّاس إِذا تَمَّ لنا هذا؟
قلنا: قد أراد بالرؤية في قوله: ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الرؤيتين جميعًا، وهو استعمال اللَّفظ في محمليه، فهو دليل آخر، وقولكم: "الصلاة: الاعتناء بإِظهار الشرف" حمل اللَّفظ على خلاف ما يتبادر إِلى الذِّهْن منه، وخلاف موضوعه.
وعلى الثَّاني: أن تقدير الخبر والفعل لا يُصِّيرُهُ موجودًا، والموجود لفظ واحد؛ وهو المطلوب.
وعلى الثالث: أنه لا داعي إِلى حمله على المَجَازِ، وما زعمتموه دليلًا لا دليل فيه.